الإرهاب كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع ، ويدخل في ذلك تمويل الإرهاب والتحريض عليه وكل ما يلجأ إليه الجناة تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، بهدف الإخلال بالنظام العام وانتهاك سلامة الدول والمجتمعات ، مما يعرض حياة الأفراد وحرياتهم للخطر ، ويعرقل ممارسة السلطات لأعمالها ويعطل تطبيق القوانين وسنّ العقوبات الرادعة. ليس الإرهاب ظاهرة جديدة في المجتمع المعاصر ، إذ ترسخ واقعا سياسيا واجتماعيا في كثير من الدول ؛ مستمدا شرعيته من جوهر المفاهيم السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه. وقد ظهرت محاولات كثيرة لربطه بالإسلام ، أو ب " صدام الحضارات "! وأيّا كانت المبررات فقد وجد بين ظهرانينا من يمول ومن يحرض ومن يرسم الخطط الإجرامية له ، ومعظم هذا يحدث سرّا مما يصعب كشف أصحابه للسلطات المختصة ، مما يؤكد خستهم وجبنهم إذ يستمرئون العمل قي الظلام وفي الدهاليز السرية كي يصعب كشفهم ويواصلوا خططهم الإجرامية. لكن أن يحدث هذا على الملأ ويبث على القنوات الفضائية فهو قمة التحدي لمنظومة القيم والمواثيق الدولية والتغرير بالجهلة والحمقى والمغفلين من الصغار بل ويمثل تحديا صارخا للآباء والأمهات الذين اكتووا بنار الإرهاب قبل غيرهم بسبب استخدام أبنائهم وقودا في تلك الحرب العبثية المجنونة. أقيمت في إحدى الجمعيات السلفية في دولة خليجية بُعيد حرب غزة محاضرة بعنوان: " العرب قبل وبعد الحرب على غزة " لأحد الخليجيين ( دكتور تقليدي قومجي ) ، وقد نقلتها مصورة كثير من المواقع الخليجية والعربية والأجنبية ، ومما قاله ( في لغة هجينة من العامية والفصحى ): " ... أربع أرطال من الإنثراكس ، شنطة صغيرة يشيلها واحد فدائي ويدخلها من أنفاق ميكسيكو إلى الولاياتالمتحدة كفيلة بقتل ثلاثة وثلاثين ألف أمريكي في ساعة واحدة إذا أتقن نثرها على الوعاء السكاني هناك ... مرعبة الفكرة !! يعني 11 سبتمبر تطلع زلاطة عند هذا الموضوع (يضحك هو والحاضرون ) .. وما فيه داعي طيارات و... فقط واحد عنده من البسالة اللي يدخل معاه أربع أرطال من الإنثراكس لحديقة البيت الأبيض ويكت عليهم وييبب عقبها (يزغرط) (يواصل الجمهور الضحك )". هذه دعوة صارخة تحرض على الإرهاب بتوضيح خطواته وأدواته وتبسيطها مما يدخلها في نطاق الجرائم الجنائية ؛ نظرا لما تنطوي عليه من أبعاد مختلفة ، مثل نية القتل وتزيينها باستخدام المواد الكيميائية المساعدة على ذلك . فهي على هذا الأساس جريمة فوقية تتميز بالعنف الذي وصفه البعض بأنه من خصائص الحرب أو النزاع المسلح. ثم يأخذ في الترويج لإرهابيي القاعدة ويصفهم بصفات تتناقض مع ما يقومون به من إرهاب منظم ، مما يجعل من يسمع قوله هذا يتساءل عن موقف الدول التي اكتوت بنار الإرهابي ابن لادن مما يقوله هذا المحاضر ، وكيف يستقيم ما يسبغه عليهم من صفات مع ما يقومون به من قتل وتدمير وإفساد في الأرض سوى أنه شريك لهم بصورة من الصور ؟ ثم ألا يحق لتلك الدول كافة مقاضاته ؟ تأملوا قوله: WMD" " ( ويقصد بها أسلحة الدمار الشامل ) الأمريكان خايفين إن يطيح في إيد تنظيمات إرهابية بين قوسين ( يشير بيديه بمعنى أنها ليست إرهابية ) مثل القاعدة وغيرها ، وهناك ما يدعو لتخوف الأمريكان لأن القاعدة عندها في شمال أفغانستان علماء كيميائيين وفيزيائيين ما هم مثل ما يصورهم بعض الصحفيين بأنهم بدو ومتخلفين وقاعدين في كهوف هذا حكي ينطلي على الغشماء . هذولا مثل حزب الله في جنوب لبنان وأصبحت تبيع على رومانيا وهنغاريا ، عندهم (! Laboratories) يعني مختبرات.. أنتم بس لما يقولون إرهابي قولوا هذا رفيقنا لأن الإرهابيين أتقى ناس في العالم وأشرف ناس في العالم وأحسن ناس في العالم (تصفيق) أنا قابلت الملا عمر ... أنا لي الشرف إني قابلت الملا عمر وجلست معاه رجل ليس من هذا العصر لا يستقبل وفود الغرب ( يضحك بسخرية) يقول لهم روحوا لكابول أنا في قندهار قاعد لكم إنما المشركون نجس (ضحك)... هاذولا اللي ينفعون مع الغرب وليس عريقات ودحلان اللي ما يفيدون الأمة بشيء " ، الكلام لا يمكن تصور صدوره عن عاقل لفرط قبحه ، فما بالنا وصاحبه يقدم نفسه على أنه من ذوي الرأي وقادة الفكر !!! ومما يتبادر إلى الأذهان هو كيف سيتلقى الصغار والمتشددون هذا القول ؟ ولعلهم يتساءلون : إن كان القتلة والإرهابيون على هذا النحو من الكمال الذي وصفهم به ، فعلى أي أساس يُتهمون بما يتهمون به ؟ وما مبررات الاتهام ؟ وهل من يتهمهم يكذب ويتجنى عليهم ؟ إذن كيف سيصدق أولئك الصغار ما يقال عن مجرمي القاعدة ؟ ثم ألن يشكل ذلك أزمة ثقة بين الدول التي مارست وتمارس فيها القاعدة إرهابها ، وأولئك الذين استمعوا وما زالوا يستمعون لهذه المحاضرة التي انتشرت في الأصقاع انتشار النار في الهشيم ؟ ثم ينتقل مرة أخرى للتحريض على الإرهاب في أمريكا مشجعا ومباركا ، مما يتناقض تماما مع شخصية الداعية إن كان يقدم نفسه للحضور على هذا الأساس ، كما يتناقض مع موقف القومي صاحب القضية التي ينبغي أن يدافع عنها بأسلوب العقلاء والمخلصين وليس بأسلوب القتلة والمنحرفين ، يقول: " في الولاياتالمتحدة ما يزيد على 300 ألف ميليشيا بيضاء تنادي بضرب الحكومة الفيدرالية في واشنطن وضرب العرب واليهود والزنوج في الولاياتالمتحدة ناس عنصريين ( يقول ذلك بإعجاب ) هذه الميليشيات تفكر بضرب مفاعلات نووية داخل الولاياتالمتحدة الله يوفقهم ( تضج القاعة بالضحك) وعندهم مشاريع لضرب المفاعل النووي اللي على شواطئ بحيرة ميشيغان ، وهذا مفاعل خطير جدا يغذي الشمال الأمريكي بالكهرباء ، الله يوفقه واحد من المسؤولين في هذه الميليشيات يفكر بضرب هذا المفاعل ... وعندما ينتهي من هذه المهمة نزوره وحتى نهنيه " إسفاف واستخفاف بالعقول لا حدّ له !! ولا يفوته في حومة حملته على الغرب وتأييده للإرهابيين ودعائه لهم بالتوفيق أن يشن حملة على الحوار ، ومحرضا الحضور على من يدعون للحوار قائلا : " الله في كتابه الكريم أكد أن عداوتنا معاهم دائما ولذلك اللي يقول حوار معاهم قصوا لسانه! أي حوار وأي رقي (بطيخ) ماكو حوار وهذا يتناقض مع صريح القرآن ومن يقول هذا هو كافر نعم أنا أؤيد التكفير" ولا نملك هنا سوى أن يعترينا العجب من هذه الجرأة على التكفير والمباهاة بها مما يعد تحديا بل مخالفة صريحة لتوجيه القرآن ! ثم ينتقل للدفاع عمّا يسمّى مقاومة محرضا على الكتاب قي صحف المملكة ( التي يسميها الجزيرة العربية كما يفعل ابن لادن ومجرمو القاعدة ) وصحف الخليج والعالم العربي ، منتهجا خط التحريض نفسه وبكافة الوسائل في لغة لا تخلو من الإيحاء باستخدام أقصى مراتب العنف معهم حتى وإن أفضى إلى القتل ، فلغته وإشاراته وملامحه كلها توحي بذلك يقول: " المفروض إن نحن ندافع عن المقاومة ولا نسكت على هذا الهجوم المنظم على رجالات المقاومة في صحافة الجزيرة العربية وفي صحافة الخليج وفي الصحافة العربية أكو (هناك) نبرة تشكيك في شخصيات المقاومة هاذولا ( يعني الكتاب والصحفيين) لازم نتصدى لهم حتى لو تتصل هاتفيا وتقول له هذا كلام سفيه ما لازم تكرره أو تعيده في زاويتك أو مقالاتك وإلا سنتخذ معاك الإجراءات التالية ! لابد أن نلجأ إلى أسلوب الضغط على هؤلاء ولا نسكت ولا نتركهم بحجة حرية الرأي ، هذا طابور خامس أنا ( ويذكر اسمه الرباعي مؤكدا على دعوته الإرهابية ) جاي أحرضكم أن تتصدوا بكافة الوسائل أكرر بكافة الوسائل لأي شخص يرفع لسانه على المقاومة " ماذا يعني ذلك سوى تحريض مع سبق الإصرار ؟ وماذا يمكن أن يحدث لأحد الكتاب الذين يختلفون مع أسلوب المقاومة لو تلقى هذه الدعوة على التحريض أحد المتهورين وسارع إلى تنفيذ محتواها كما حدث مع الكاتب فرج فودة ومحاولة قتل نجيب محفوظ ؟ يتملكنا العجب حين نتأمل خطاب هذا التقليدي القومجي ومن هم على شاكلته من تعاميهم عن تعاليم الإسلام التي تتنافى مع كل ما يقولونه باسم الإسلام ، أين أولئك المحرضون من تحريم الفساد والإفساد في الأرض ؟ أين أولئك من قول الرسول عليه السلام { من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيء } وقوله { لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم } ، وقول عمر رضي الله عنه وكان نظر إلى الكعبة { ما أعظمك وأعظم حرمتك ، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك } !!!! إن ما جاء في المحاضرة ليس إلا: دعوة للإفساد في الأرض وتخريب لاقتصاد البلدان وإشاعة للفوضى ، وتحريض على القتل وسفك دماء الأنفس المعصومة ، واعتداء صارخ على الإسلام وتشويهه بربط الإرهاب به ، وتعاون على الإثم خدمة لأعداء الإسلام ، وتقوية الإرهابيين وشدّ أزرهم والدعاية لهم ، والتغرير بالأبرياء ، والاستهانة بدماء ضحايا الإرهاب. فأيّ فكر متطرف تلبس به ؟ وأيّ قضية خاسرة يدافع عنها بهذا المنطق الإجرامي المقيت ؟ تتميز هذه الدعوة إلى الإرهاب بذاتية خاصة من الناحية القانونية نظرا إلى جسامتها من حيث كونها دعوة تذاع على الملأ حضورا وعبر قنوات الاتصال الأخرى ، مما يجعلها تتجاوز الحدود إلى أقصى مكان في الأرض. ولاشك أن العامل الإرهابي في تكوين الجريمة يتجاوز مجرد كونه ظرفا مشددا في جريمة عادية ؛ إذ يندمج فيها اندماجا بحيث يصبح مكونا طبيعيا فيها كاشفا عن خطورتها وخطورة مرتكبيها ، وأمام خطورة هذه الجريمة يخضع الإرهاب لنظام إجرائي متميز يراعى فيه مدى جسامتها ومختلف أبعادها ومنها البعد الدولي إذا ما تجاوزت حدود دولة معنية. ( إن من تصدر عنه مثل هذه الآراء التي تسوغ هذا الإجرام ، ينبغي إحالته إلى القضاء ليطبق بحقه ما يقتضيه الشرع إبراء للذمة وحماية للدين ، إذ يعظم خطر هذا وأمثاله إذا كان المقصود زعزعة الأمن وزرع الفتن والقلاقل ، ونصر دين الله بالجهل والهوى لأن ذلك استهداف للإغراء من الشباب ومن لا علم عنده بحقيقة ما يدعو إليه ، ولما ينطوي عليه من تغرير وتدليس بحجج واهية وتمويه على عقولهم ، وكل هذا شنيع وعظيم في دين الإسلام ولا يرتضيه أحد من المسلمين ممن عرف حدود الشريعة وعقل أهدافها السامية . وعمل هؤلاء من أعظم أسباب تفريق الأمة ونشر العداوات ، والفساد في الأرض والتحريض على قتل النفس المعصومة ).