لا أدري لماذا يبدو السؤال حتميا كلما انشغلت الصحف بطرح مواضيع حيوية أو تناقلتها ووجدنا انه يحاصرنا عند التفكير ولو بصمت، وكيف لنا أن نعرف لو لم تتناوله الصحافة ؟ أعلم أن لسطوة الإعلام العصرية تأثيراً لا يمكن للمجتمعات النامية والمتقدمة أن تتجاوزه في تقييم أمور الحياة أو التوقف عند تطوراتها ولكن الحديث عند دور الصحافة الآن في مجتمعاتنا الخليجية أصبح له موقع الريادة الإصلاحية وأبعاد كثيرة تتجاوز مهمة التسلية أو التفاعل المؤقت إلى دور الشريك الفعال في الارتقاء وإصلاح ما يبدو منحرفا . ذكر أخبار الحوادث مثلا ليس بسب شد انتباه القراء فقط وإنما التوعية بإمكانياتها المتعددة وطرق محاربتها، الكشف عن محاولات الهدم التكفيرية، وإبراز جوانب الوسطية في الإسلام ودور الأمن كمحور ارتكاز حيوي في حياتنا، تحول ظواهر المجتمع ومفاهيمه وبعضه مزعج بالفعل إن لم يكن مخيفاً يتطلب أن يتعاون الناس على كافة مستوياتهم معا من أجل المساهمة في معالجته، وترقب ما سيأتي به الغد من تحولات ايجابية لن تتسم بالمصداقية إن لم يوثقها الإعلام أولا خاصة الصحافة . لذلك أستغرب كثيرا حينما يتم طرح النموذج الغربي من استبدال الصحافة الورقية بالاليكترونية لعوامل أزمة الاقتصاد العالمية أو تغير في ميول القراء بواقعنا المحلي لعدة أسباب أهمها بالطبع هو نسبة قراء الصحف الورقية عندنا أولا ومصداقيتها ثانيا رغم تقارب النسب أحيانا فأغلبنا يطالع الصحافة الاليكترونية خاصة إن أبحرنا خارج الحدود ومررنا ذهنيا على عواصم الغرب إلا أن الصحافة الورقية في مجتمعاتنا ما زالت المنبر الشرعي للإعلام ( الإعلام المرئي بات يطرح الصور ويقترح تعديلها، صحيح ولكن التسلية مازالت محوره الأساسي و تهيمن على أدواره ) ونحن وسط مراحل غربلة و تنقية إصلاحية بكل ملامحها . ثم تأتي طبيعة الحياة في المجتمعات الخليجية وتميزها بالمحافظة التقليدية التي ما زالت تفصل عوالم الرجل والمرأة اجتماعيا مما يجعل الطرفين في حالة فضول إنساني مستمر كي يعرف كيف يفكر الآخر أو ما هو اتجاه مفاهيمه وكيفية تفعيل حقوق الطرفين في حالتنا المرأة هي الطرف الأضعف وتحتاج الدعم والتوعية . بالأمس مثلا وفي محيط مناسبة اجتماعية نسائية وجدت احدى الحاضرات تروي بمرح كيف أن زوجها يصر على قراءة الصحف وهي معه بعد أن يكون ارتاح وجلس في بيته وشرب الشاي وعندما تتذمر يدفع لها بالجريدة مداعبا " خذي تثقفي " فتصيح هي " ولكنني أريدك أن تحدثني أريد أفكارك أنت " ومضت تؤكد له بأنها مثقفة وتعلم ما يدور في العالم ولكن من مصادر أخرى " لم نجادلها فماذا يحدث بالعالم غير ما يحدث هنا " ولكن همها هو الحوار معه وأعتقد بأن هذه الجزئية تتكرر في بيوت كثيرة ووجود الجريدة كطرف ثالث يغني عن التعريف . ربما يجدر بالإعلام المرئي أن يخصص برامج تعنى بالثقافة عموما بشكل مبسط وتعكس مواضيعها بأسلوب يقترب من فئات المجتمع خاصة تلك التي اعتادت أو أدمنت التسلية. وعودة لدور المعرفة الحياتية وكيف تصلنا عبر الصحف وكما ذكرت بعض الذي يصل فعلا شاذ مثل ما يتردد عن حالات ابتزاز للفتيات أو التشهير بهن وأنواع الجرائم التي تتم بتأثير المخدرات والمسكرات وبعض أنواع التحولات الاجتماعية التي تحدث كما لدور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الرائع في علاج كثير من تلك المآسي ومنعها تجعل من وسيلة الاتصال الصحافة اليومية بالفعل شريك مؤثر في الإصلاح الاجتماعي والتنويري .