تخيل أحد الأدباء الفرنسيين حوارا لطيفا بين كتاب وجريدة قال فيه الكتاب للجريدة: إنك تنعمين بمائة ألف قارئ ولكنك لا تمكثين إلا ساعة أو بعض ساعة في يد القارئ.. ثم لا تلبثين أن تتعرضى للتمزيق أو التلف وإذ ذاك يلقى بك في سلة المهملات أو يتخذ منك الناس غلافا لبعض حاجاتهم.. وهكذا تولدين سريعا وتموتين سريعا دون أن تتركي أثرا ما فى نفوس القراء. فأجابت الجريدة بقولها: نعم أيها الكتاب أنك لتفضلني بطول العمر وبسطة الأجل ولكن لا تنسى أنك تعيش أعمارا طويلة في الظلام ودنيا النسيان وعندي أن حياة يوم واحد بالمعنى الصحيح أفضل بأشراقها وحركتها وجلالها من حياة مائة عام تقضيها أنت مجهولا من أكثر الناس مهملا منهم فوق الرفوف التي يعلوها التراب. هذه القصة الطريفة مقدمة لأهمية الصحافة وجمالها وما تتمتع به من حيوية ونشاط، ففى الآونة الأخيرة أعلن البعض من العاملين في مجال الصحافة الورقية تخوفه من قرب انحسار الصحف المطبوعة لحساب الصحافة الإليكترونية. وفي منتدى الغد الذي عقد مؤخرا بالرياض خرج البعض ليحذر من قرب انتهاء الصحف الورقية أو دخول الإعلام الورقي فيما اسماه “مرحلة الغيبوبة لصالح الصحف الإليكترونية”.. وبما أننا نحتفل اليوم بانطلاق النسخة العاشرة لمنتدى الإعلام العربى بدبي وهو المنتدى الذي يعد بمثابة عرسا سنويا للصحافة العربية فيجدر بنا أن نطمئن بعض المتخوفين من هذا الانحسار - ومع تقديرنا لكل الأصوات التي تتخوف من غياب الصحف الورقية.. وتأكيدنا أيضا على ما تتمتع به الصحف الإليكترونية من بريق الألوان وديناميكية الصورة وقلة الكلفة واتساع رقعة التوزيع إلا أننا نعتقد أن الصحف الورقية لن تختفي.. وهناك حزمة من الأسباب. -أولها الاستمتاع فقارئ الصحيفة الورقية يجد استمتاعا لا يضاهى وهو يطالع صحيفته اليومية المفضلة ولن يعوض هذه المتعة أن يطالعها على المواقع الإليكترونية فارتباطة بها لن يتحقق إلا بإحساسه بها وملامسة صفحاتها بيديه. - ثانيا غالبية الصحف الإليكترونية ما زالت تنقل عن الصحف الورقية حتى الآن لتأكيد مصداقية أخبارها.. وما زال عامل الثقة مفقودا بدرجة أو بأخرى بين القارئ وبينها لأنه لا يوجد اعتراف رسمي بها. ثالثا: السهولة فمطالعة الصحف الورقية أسهل كثيرا بالمقارنة بالإليكترونية وشريحة كبيرة تفضل الاسترخاء والتمدد على الأريكة أو الفراش أو في وسائل المواصلات أو مطالعة الصحيفة مع إفطار الصباح.. هذا بالمقارنة بالمشاكل الناجمة عن استعمال الأجهزة الإليكترونية وتعقيداتها.. ناهيك عن الأضرار الصحية الناجمة عن طول فترة التعرض للكمبيوتر. رابعا: كثرة المواقع وتعددها يثير قلق القارئ للدرجة التى تجعله في حيرة أي من المواقع يطالع وأيها يكسب ثقته وأيها أكثر مصداقية وأيها يشبع حاجاته. والحقيقة أن تاريخ الإعلام يقول إنه لم تستطع وسيلة إعلامية القضاء على وسيلة سابقة عليها بدليل أنه عند بدايات ظهور التلفاز خرجت أصوات تحذر من أنه سيقضي على الراديو بعرضه للصور الحية ببريقها وقوتها التأثيرية.. ومن قبله وعند ظهور السينما تعالت الأصوات بأنها سوف تطيح بأحلام المسرح وتقضي عليه تماما ولن تقوم للمسرح قائمة.. ولكن ما حدث هو العكس ووجدنا الإذاعة تطور من نفسها وتزدهر في وجود التليفزيون .. والمسرح يتألق مع وجود السينما. والمؤكد أن الصحف الورقية سوف تطور من نفسها.. وتتكامل مع هذه الوسيلة الجديدة.. بل بالفعل بدأت كثير من الصحف الورقية تطور نفسها لمواكبة هذا الوافد.. ورأينا صحفا تخرج عن نقل الحدث بطريقته التقليدية وتتجة لإضفاء نوع من التشويق والجاذبية في عرض الموضوعات بأن تكون – مثلا – مكتوبة في قالب قصصي وتنقل ما وراء الخبر وتهتم بالأسباب والدوافع .. وكلها أمور لم تكن تقف أمامها في السابق كثيرا، وكانت تكتفي بالمتاح من معلومات دون الدخول في التفاصيل. وسارعت الصحف الورقية بإنشاء مواقع إليكترونية لها إيمانا منها بأهمية هذه الوسيلة الجديدة .. ولو كنا نتحدث عن عامل التكلفة الأقل في الصحف الإليكترونية نقول أن المسرح رغم ارتفاع كلفته على المشاهد بالمقارنة بالسينما لم يختفِ بل على العكس ازدهر كثيرا. -------------------------------------------------------------- منتدى الإعلام العربي ينطلق اليوم بدبي تحت شعار "الإعلام العربي وعواصف التغيير" تنطلق اليوم فعاليات الدورة العاشرة لمنتدى الإعلام العربي التي ستعقد في دبي، برعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وتستمر لمدة يومين.