تعامل مع المسلم العربي الى الحد الذي تشاء ولكن احرص على أن لا توحي للمسلم غير العربي تركيا أو ايرانيا أو باكستانيا أو صربيا أو ألبانيا أو غير ذلك من ذوي الهويات بأن العرب وحدهم هم المسلمون، وافعل ذلك بحجة الحرص على العدالة في التعامل مع جميع المسلمين، وليس الاقتصار على العرب منهم فقط، فكثيرا ما ظهر ميل غير بريء عند هذا أو ذاك من الغربيين أميركيين أو انكليز أو فرنسيين أو سواهم الى التوجه للمسلم غير العربي لا من قبيل سياسة فرق تسد بقدر ما هي طرح للذات الغربية كمرجعية عادلة معنية بمصالح كل المسلمين عربا او غير عرب على السواء. تحت هذا العنوان جاءت تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما تحمل شحنة حارة لافتة من المدائح السخية غير المسبوقة في اللغة الدبلوماسية للدولة جارة العرب ايران الاسلامية بما يحمل على الاعتقاد باعتماد الولاياتالمتحدة سياسة تعلق من الآمال على ايران فوق ما تعلقه على غيرها. لقد قال الرئيس الأميركي الشاب من حلو الكلام في مناسبة عيد النيروز لحكومة ايران وشعبها ما من شأنه، والله أعلم، أن يتسبب لولا الصبر العربي، برد فعل ربما يصل الى حد الأضرار بالرئيس الايراني نفسه عند شعبه والشعوب الجارة والشقيقة لايران. لقد كاد الأفراط في المديح لايران يثير ردودا سلبية ليست في مصلحة الرئيس الأميركي ولا في مصلحة ايران الدولة الشقيقة لمعظم الدول الاسلامية من عربية وغير عربية. ربما كان للرئيس الأميركي هنا فائدة في أن نستحضر له من التاريخ قصة ردود الفعل السلبية على العلاقات الايرانية-العربية التي تسببت بها أغنية غير مدروسة للمطرب المصري الشهير في زمانه محمد عبد الوهاب غناها بمناسبة زواج شاه ايران بالأميرة المصرية فوزية أخت الملك فاروق. ففي أحد أبيات القصيدة المغناة بيت يقول:" أين في الناس أب مثل أبي سؤدد الفرس ودين العرب." ما كادت هذه الأغنية تذاع حتى ثارت في مصر والبلاد العربية ثائرة المعلقين من المصريين وغيرهم من العرب وفحواها: كيف يجوز الاغداق على فارس في اذاعة مصر انها بلاد السؤدد والأمجاد وان لا يعطى العرب بالمقابل ومنهم مصر بلد العروس فوزية أخت الملك فاروق الا أنها بلاد الاسلام وهو هبة من الله بينما السؤدد الذي هو من انجاز البشر وينال بالجدارة والبسالة يظل حصة الفرس وقد ثار الشعور المصري والعربي على هذا التمييز لايران في شؤون الدنيا وقصر المجد العربي على الناحية الدينية فقط لكأن أوباما كرر الخطأ نفسه الذي وقعت فيه الاذاعات المصرية في عهد فاروق حين أغدق على بلاد فارس بالأوصاف المجيدة وكأنها هي لا أرض العروبة قلب الاسلام وعقله السياسي وسياج مجده. لم يقصّر العرب ولا قصّر ساداتهم وفي طليعتهم خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيزمع الرئيس أوباما وخاصة في الزيارة التي قام بها جلالته الى أميركا مستقطبا دعم العالم للقاء الأديان في نيويورك مما جاء في زمانه خير فرصة بل هدية مسبقة لانطلاقة الرئيس الأميركي الجديد لو هو أحسن الافادة منها. لقد أمل العرب الخير على يد الرئيس الأميركي الشاب الجديد الذي تعددت الشواهد في يوم ما، على جدارته وأمل شعبه به. ولكن الرئيس الأميركي الجديد لم يعط المنطقة العربية الاسلامية مع الاسف قدر ما أملته منه ويبدو أنه لم يقرأ بعد ما كتبه كبار كتاب العرب والعالم عن ثنائية العروبة والاسلام والعلاقة الخاصة بينهما. وهذا غريب خاصة وأن الانتاج الفكري العالمي غزير حول هذا الموضوع وقسم كبير منه بالانكليزية، وأوباما على ما هو معروف عنه من المثقفين الجادين أصحاب الاهتمام بهويات الأمم وأديانها ومهابط ووحي أنبيائها. وكلها يهدف الى تعريف قيادات شعوب العالم وقادة الرأي فيه وحكامه بحقائق المنطقة المسلمة جغرافيا وتاريخيا ودورها الصاعدعلى الأيام. أوساط غربية واسعة تعلن استعدادها أكثر فأكثر لتفهم الاسلام الفارسي ولو بتطرف في لبنان وغير لبنان وكذلك تفهم الاسلام التركي لولا وقفة رئيس وزارئها رجب الطيب أردوغان في وجه الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس في غزة ولكن الاسلام مع العروبة يبقى يبقى جريمة لا تستسيغها بعض الجهات الدولية ومادة غير قابلة الفهم دائما عند الكثيرين من الغربيين رغم أنه يكون الأكثر اعتدالا في كثير من الشؤون في غالبية الحالات. وكأن هناك في الأوساط الغربية قرارا قديما وثابتا بأن الاسلام والعروبة اذا اجتمعا في شخص أو مجتمع أو نظام يصبحان في عيون الكثافة الأوسع من الغربيين جرعة مستحيلة الهضم، فكيف وهما يضعان دائما في برنامجهما عدم نسيان الجرح العربي الاسلامي في فلسطين ملحقين الأذى بالصهيونية قرة العين وشبه المقدسة دينيا ودنيويا في الحسابات السياسية الغربية النهائية. قد لا يكون مع ذلك قليلا عدد الغربيين في الولاياتالمتحدة أو أوروبا أو غيرهما الذين يشعرون بالاجحاف اللاحق بالاسلام والعروبة معا في أوطانها ولكن هذا لا يغطي الحقيقة الكبرى وهي انطلاق الكثرة في مجتمعات العالم الغربي من سلبية خاصة تجاه هذا الثنائي المتماسك أو المفترض فيه أن يكون متماسكا في الكثير من القرارات ذات العلاقة بالمصير المشترك للعرب والمسلمين. لا تكن مسلما عربيا وكن أي مسلم آخر تلقى الآذان تسمعك والمكانات تحتلها والترحيب تناله، تلك خبرة وظاهرة دهاء اكتسبتها دول غربية كثيرة، فلا مشكلة مستحيلة الحل مع المسلم غير العربي الذي تبقى له بشكل عام حساسياته وأولوياته ومقاييسه التي ليست متطابقة دائما مئة بالمئة سواء في الجوهر أو الأسلوب مع المسلم العربي. لذلك لا بد من أن يعامل المسلم العربي معاملة حذرة بصورة خاصة من الغرب تركيا كان المسلم أو ايرانيا أو باكستانيا أو صربيا أو غير ذلك من الهويات فستظل له زاويته الخاصة والمختلفة عن العرب في النظر الى الأمور وتصور الحلول وكذلك روزنامته الزمنية المختلفة في التعامل مع عالم الأقوياء. لهذا فإن من أهم التحديات التي تواجه دولنا نحن العرب تحدي الذكاء الحذر الذي لا بد للسياسة العربية أن تبرهن عنه وأول شروطه في عصرنا هذا الذي تعيش فيه هو التخلي عن تلك المقولة السياسية الفائت زمانها التي كانت ولا تزال في بعض الدوائر تصف الولاياتالمتحدة بطيبة القلب وبالساذجة منطلقة من أن الحكمة والدهاء وفن الوصول الى الغايات سواء في الاجتماعيات والسياسيات هو وقف على الشعوب والمجتمعات القديمة سواء الآسيوية أو الأوروبية محتكرة الدهاء في مقابل سذاجة الدول الجديدة المولودة بالأمس ونموذجها الولاياتالمتحدة التي وان تفوقت في نواح عملية وفنية وعمرانية كثيرة الا أنها تبقى في السياسة في عداد الكيانات الساذجة سياسيا المستجدة التي لم تعرف ما عرفت المجتمعات والدول القديمة من نفوذ الدهاء والكر والفر السياسيين. ولكن كل هذا شيء وما رواه الاعلام من وجود وجهة نظر خاصة عند باراك أوباما ازاء الحقوق العربية والدور العربي شيء آخر. ويخطئ الرئيس الأميركي بحق نفسه ودولته القوية اذا اعتقد كما جاء في الاعلام أن حل مشاكل أميركا مع العالم الاسلامي يكون بالاعتراف بدور ايران المحوري في المنطقة متجاهلا حقائق عربية أهم بكثير في المنطقة منها حل عادل للقضية الفلسطينية بدونه يستحيل أن تستوي العلاقات بين الولاياتالمتحدة والأمة العربية بل والعالم الاسلامي على قاعدة ثابتة ومعقولة. فاذا كان الرئيس الأميركي الشاب المأمول به في أوساط عالمية قادرة ما يزال عنده شك في أولوية مبادرة كهذه واضعا الأمور في نصابها فلن يأتي ذلك اليوم الذي تستقر فيه جديا العلاقات العربية والاسلامية مع أميركا على قاعدة معتدلة وقابلة للدوام فضلا عن أنه لن يكون حلاً جديدا لسلام حقيقي في فلسطين لا يكون فيه الفلسطينيون آخذين حقوقهم بالشكل الصحيح الذي يرضيهم ويرضي أنصار قضيتهم العادلة في كل القارات، خصوصا وأن للمثاليات جمهورها المفترض في السوق الأميركية السياسية كما يقول البعض. ان العروبة والاسلام ومعهما المسيحية يعملون جميعا كطليعة حاملين هنا الى حيث يجب أن تكون قضية يعتبرونها قضية العصر وليس قضيتهم الأولى فحسب. في حضارة الغربي المتميّز أو التميّز الغربي، نظرة الى الاسلام العربي تحمل شيئا من الحذر لا تحملها بالحجم نفسه للاسلام غير العربي التركي أو الايراني أو البلقاني أو الباكستاني، وكأن الاسلام والعروبة معا جرعة لا يتقبّلها مزاج أقوياء هذا العالم. ولعل الرئيس الأميركي أوباما من حاملي هذه النظرة فبعض ما صدر عنه يوحي بشيء من الميل الى الأخذ بهذه النظرة، وقد فسّر البعض سفراته الخارجية التي لم تخرج بعد الى حيّز التنفيذ بأنها قد تحمل هذا التميّز. وسواء كان هذا واقعا أو وهما فإن أصحاب هذا الظن يستعجلون اعلانه مستندين الى أن هناك مدارس فكرية في الغرب تحضّ على تصنيف المسلمين تصنيفا يتضمن حذرا من المسلم العربي بصورة خاصة.