يرويها صاحبي الذي لا يفارقني، بحيث لم نعد ندري أينا ظِل الآخر·قال أو قلت· لا فرق: بعد سنوات طويلة من الحفاظ على أسنانه ولثته اللتين لم تعرفا في طفولته أي رعاية.. عرف خلال هذه السنوات أكثر من طبيب أسنان، وكل منهم يتهم من قبله بالجهل واللامسؤولية، فالذي نزع أسنان العقل اتهم من قبله بالجرم المتعمد فأذعنت لقراره· وانتقلت لغيره بسرعة· اتهمني الأخير بالغباء والجنون أن وافقت على نزع أسنان العقل· "العاقل لا ينزع أسنان العقل إلا بعد استشارة عدد من الاختصاصيين" وأنا ضعت بين كل هذه التهم والاتهامات وأرى أسناني تتساقط· وتتسع بينها المسافات واللثة العليا ترتفع والسفلى تنخفض ولا حول ولا قوة إلا بالله· ذات يوم نصحه أحد أصدقائه السعوديين بالذهاب إلى طبيب عربي - مسلم - سُني·قال: كان صديقي يسرد عليّ هذه المواصفات كما لو كانت أعلى الشهادات· هاتفت الطبيب قلت له : صباح الخير·قال: السلام عليكم·حاولت أن اتدارك قلت له : السلام عليكم·قال: وعليكم السلام·قلت له حصلت على هاتفك من صديقنا المشترك·قال: صديق صديقي صديقي· وأعطاني موعداً في الساعة التي تلت المهاتفة· بدأت أشك، لأن أقرب موعد مع أي طبيب أسنان هنا يتطلب اسبوعاً على الأٍقل·أعطاني هواتفه كلها وعنوانه ومحطة المترو القريبة·وحين دخلت قلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته·حياني بمثلها وأحسن منها· لم يكن من أحد في صالة الانتظار· بعد قليل جاء لمرافقتي لغرفة "العمليات"·فتح فمي برفق قائلاً "بسم الله الرحمن الرحيم"·قلت له انتظر لو سمحت· دعني استمتع بهذه اللحظة فمنذ عشرات السنين وعشرات الاطباء لم اسمع هذه التسمية· دعني لو تكرمت استوعب ما حدث . لم يحسن استغلال هذه اللحظة لوضع غطاء على شعري أو وجهي يقيني غبار التنظيف ، ولا هو غطى وجهه ورأسه·وبدأ في استخدام آلات ما سمعت بمثلها من قبل· وكان غبار أبيض قد بدأ يغطي عيني ووجهي وأنا تحت وقع التسمية وأقول ربما يمتلك ما لايمتلكه الآخرون· تألمت كثيراً· وكان بعض النزيف قد ترك أثره في فمي· ولم يفعل شيئاً من أجل تجفيف الدم أو السوائل الاخرى·عند الاطباء الآخرين تصحبهم مرافقات يرفقن بالزبون ويجففن ما يلزم· إلا هذا الرجل· يعمل وحده· طلبت منه التوقف قليلاً· رأيت وجهي في المرآة· قلت بسم الله الرحمن الرحيم· ورأيت وجهه فكدت أقول أعوذ بالله·· ولكني صمتّ ، نظفت فمي· واستمر في عملياته المعقدة· كنت أنتظر الخلاص·ولكن لا فكاك· عندما اطلقني، استطعت ان اغسل وجهي وما استطعت من شعري ونفضت الغبار عن ملابسي·واستوينا على مكتبه وجهاً لوجه·كان صديقي السعودي قد أوصاني ان ادفع له ؛كاش؛·سألته كم: قال 150 يورو·ووالله لم أتجاوز المائة يورو عند غيره·اعطيته ولم يعطني فاتورة ولم أعد الاتصال به على الاطلاق· فسبحان الله·وعندما رويتها لاصدقاء سعوديين، طلبوا مني هاتفه لكني رفضت!·