بدت قمة الدوحة العربية مثل الصورة المقطعة التي يسعى اللاعبون لترتيبها حتى تكتمل. قطر الدولة المستضيفة في نزاع مع مصر والأردن غاضب منها لان محطة الجزيرة بثت مجدداً تقارير سلبية عنه. والسودان يحاول حشد الدعم العربي ضد الجنائية الدولي، ومصر لم تتصالح مع سوريا بعد أما السعودية فقد شرعت في حملة مصالحة عربية شاملة إلا أن نجاحها كان جزئياً. الفصائل الفلسطينية فتح وحماس لم تتوصل الى الاتفاق والعراق ما زال جسماً مشبوهاً خاضعاً للنفوذ الإيراني. باختصار هذا ما تبدو عليه قمة اللا وفاق العربية. هذه تبدو صورة شبه اعتيادية وفرحة كبرى لمن يبحث عن دليل جديد على الانقسام في الشرق الأوسط العربي الذي يفقد قاسمه المشترك الأصغر. ولكنها في واقع الأمر صورة تبعث على إعادة التفكير بمصلحة "المبادرة العربية" الذي صدر عن قمة الجامعة العربية في بيروت (2002). تلك القمة نجحت في توحيد الدول العربية حول قضية لم يطالبوا في السابق بالاتفاق حولها. فالسعودية ومصر بالتعاون مع الأردن ودول الخليج نجحوا آنذاك في بلورة إجماع عربي من طراز جديد تماماً أعلنوا فيه عن نهاية الصراع وإقامة علاقات دبلوماسية وتطبيع مقابل الانسحاب الإسرائيلي من كل المناطق وإقامة دولة فلسطينية وحل عادل لمشكلة اللاجئين. هذه كانت قمة بدلت التصور العربي الاستراتيجي من إسرائيل الذي تكرس في قمة الخرطوم في 1967 بلاءاتها الثلاث. لا صلح، لا اعتراف، لا استسلام، بصورة رسمية. إلا أن الأمر الجديد الاستراتيجي الذي تمثله المبادرة يعتمد على الإجماع العربي الشامل بتبنيه. من دونه ليس هناك معنى لمضمون المبادرة. نظريا ما زالت هذه المبادرة قائمة ولكن بعد سبع سنوات من الجمود والتقاعس السياسي أصبح من اللازم التوقف عندها والنظر فيها مباشرة والقول إن من الممكن أرشفتها مع خريطة الطريق وتقرير ميتشل وغيرها من الوثائق الجميلة التي انهارت وتحطمت على صخرة الحاجز السياسي الإسرائيلي الفلسطيني. بعد أن قلنا إن إسرائيل فقدت فرصة تاريخية أخرى للسلام الشامل بسبب إدارة ظهرها للمبادرة، لن يكون الادعاء بأن السلام الشامل هو طموح مبالغ فيه نوع من الخروج عن المألوف، وليس بسبب إسرائيل وحدها. هل سيعقد العراق المرتبط بإيران السلام مع إسرائيل فقط لأنها ستوقف اتفاق سلام مع الفلسطينيين؟ وهل سيوافق لبنان الذي يحكمه حزب الله على السلام مع إسرائيل حتى أن عقد اتفاق سلام مع سوريا؟والسودان الأصولي هل سيصافح بنيامين نتنياهو؟ وما الذي سيقترحه الفلسطينيون؟ سلام رام الله أم حرب غزة؟ وحتى دول الخليج ستجد صعوبة خلال الامتحان لتحديد سياسة موحدة تجاه إسرائيل. التصور الذي يفيد بان "الشرق الأوسط" ينتظر الأوامر فقط لعقد اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين وسوريا من اجل السير معاً نحو القدس ووضع السيف تحت قدميها، يلاءم الأزمنة التي كان فيها شرق أوسط فعلاً وليس دولاً عربية. مع ذلك، أنهت القمة العربية أعمالها في قطر وهي تسعى لان تسمى "قمة المصالحة العربية"، إلا أنها لا تستطيع أن تكون دليلاً على بطلان المبادرة العربية بسبب عدم توفر شرطها الأساسي وهو الإجماع العربي. وهنا يمكن استخلاص عبرة سياسية جديدة مفادها أن السلام التفصيلي بين إسرائيل والفلسطينيين، وبين إسرائيل وسوريا ولبنان هو مصلحة حيوية بحد ذاتها حتى وان لم ينضم اليمن والسودان وليبيا والجزائر في صبيحة اليوم التالي للاتفاق مع إسرائيل. السؤال المطروح على حكومة إسرائيل ومنتقديها ليس ما الذي كان سيحدث لو تبنت إسرائيل والعرب المبادرة العربية، وإنما كيف يمكن دفع المفاوضات مع الفلسطينيين ومع سوريا وكأنها غير موجودة. هذا هو التوجه الواقعي المطلوب الآن بدلا من الجدل الذي لا ينتهي حول ما يوجد وما لا يوجد في المبادرة العربية وبالتأكيد بدلا من تصورات السلام الشامل الخيالية. تسفي بارئيل صحيفة هآرتس