كثيراً ما يكون النص الإبداعي الخلاق، وفياً لمبدعه، قادراً على تشكيل لحظاته المتوافقة مع إرادات حرة، تستحضره خطاباً له أو خطاباً عنه.. وجاء نص محمد الثبيتي - عافاه الله - المعنون ب«وضاح» مجاوزاً الارتهان لدلالة «وضاح»، عى الشخصية التاريخية المعروفة، ليوحي بما تشف به «وضاح»، من الكشف والاستشراف، فيغادر الخطاب الارتهان في التوجه إلى «وضاح»، ليكون موجهاً إلى كل نفس تواقة للشفافية، والتحليق في عوالم الروح، ومنها نفس المبدع ذاته، فمن يكن قادراً على صنع هذا الخطاب التواق للانفكاك من قيود الارتهان، والضيق، وقيود المصالح الضيقة يكن متمثلاً لخفة الروح، وصفائها.. ذلكم هو النص الإبداعي المتجاوز الذي يبقى مبعث فيض متجدد، ورؤية لا تمل الكشف والحوار..، فحين نقرأ في النص: صاحبي ما الذي غيّرك ما الذي حذر الحلم في صحو عينيك من لفّ حول حدائق روحك هذا الشرك عهدتك تطوي دروب المدينة مبتهجا وتبث بأطرافها عنبرك؟ يجد أن هذا النص يأخذ بأبصار حافظيه ومردديه ووجوههم لتتجه به خطابا إلى هذه الروح الشفافة الخارجة من حصار جسد أوهنه المرض، كأنها تتعالى على اللحظة، كأنها تستجدي تلك الروح، لتثبت في الجسد القوة والمقاومة، لتكتمل شفافية الجسد والروح، وحريتهما، وانطلاقهما في عوالم الرؤيا والإبداع. كأن أرواح هؤلاء تستجدي روح صاحبهم ليعاود الابتهاج، وبث شذا الحب، كأنها حين تقول له: صاحبي.. هل ستهجس بالحب - بين اتساع الحنين وضيق الميادين - لو طوقتك خيول الدرك هل ستوقظ أنشودة الروح في غابة الخيزران الأنيقة لو أنكرت مظهرك تستدعي أماني الحب، والقوة المتجاوزة، والانفكاك من حصار الجسد، وإيقاظ التوقد إلى الجمال والحب.. وكأن هذه الأرواح المحبة، حين تتجاوز ذواتها، وتتجاوز الادعاء في حال ترديد لنشيد الحب الذي يحلق في صفاء الغناء، والينابيع، فتقول: صاحبي.. لا تمل الغناء فما دمت تنهل صفو الينابيع شقّ بنعليك ماء البرك كأن النص بخروجه من أسْر لحظته يأبى بمن ينطقه إلا أن يحول النداء لمحمد الثبيتي، فيستدني غناءه العذب، ونشيد روحه الحر، وتعاليه على المضائق والحواجز. ولذلك كان محمود درويش حين يقول: القصيدة في الزمن الصعب زهر جميل على مقبرة! المثال عسير المنال، فكن أنت أنت وغيرك خلف حدود الصدى كأن هذا النص ينعتق من لحظته، ليخاطبك يا: محمد!! ينظر الى قصيدتك المهابة الخالدة، في الزمن المرّ، فيجدها تأبى إلا أن تخلص لمبدعها، وتحكي تفرده، وتحكي ذلك العناق بين نهر القصيدة وجمرها، خمرها وجرحها الذي يقول فيه محمد الثبيتي: القصيدة إما قبضت على جمرها وأذبت الجوارح في خمرها فهي شهد على حد موس فحتام أنت خلال الليالي تجوس؟ وعلام تذود الكرى وتقيم الطقوس؟ وألف من الفاتنات يفرحن وما بينهن عروس ولا أنت أوتيت حكمة لقما.. ولا هن أوتين فتنة بوس.. ولذلك لما يقول محمد: والقصائد كالناس تحيا لها يوم سعد ولها يوم بوس يحكي هذه العلاقة بين النص ومبدعه التي دخل إلى عمقها، فاستجلى فتنتها، واستحضر حياتها، وتعاليها على لحظة إبداع النص، لتكون إبداعاً، يوجه الخطاب، ويتوجه به حينما يلتقي المبدع مع أفق النص المتجدد.