هذا عنوان كتاب للأمريكي ستيف هارفي، صدر الشهر الماضي عن دار أمستد في نيويورك في 240 صفحة. المؤلف رجل متزوج وسعيد في حياته مع زوجته وأطفاله مما جعله شخصًا ناجحًا. ووجد أن من واجبه أن ينقل للناس فلسفته ويعرض عليهم فكره عن الحياة وما فيها من تعاملات بين الناس وخاصة بين المرأة والرجل، بهدف تقديم رؤية قد تساعد على تفادي العثرات الكثيرة التي يقعون فيها، وخاصة ما تقع به المرأة من أخطاء في علاقتها مع الرجل. هذا الكتاب هو مجموعة من القصص القصيرة المسلية التي يحكيها هارفي بأسلوب سلس ومباشر، وفيه يتحدث المؤلف عن اندهاشه من براعة بعض النساء في النجاح المهني وفي تربية الأطفال والمحافظة على نشاطاتهن مع صديقاتهن والاستمرار في عملهن التطوعي؛ ولكن مع كل هذه الطاقة إلا أنهن يفشلن فشلا ذريعًا في المحافظة على الرجل في علاقة سعيدة. يعتقد هارفي أن المشكلة الرئيسية وراء ذلك تكمن في أن المرأة في جميع الثقافات تسأل امرأة أخرى عما يريد الرجل ولاتسأل الرجل عما يريد هو. ويرى أن الحوار بين الرجل والمرأة إما أنه مفقود، وإما أنه غير موجّه بشكل ذكي بحيث يحمل التقدير والحب للطرف الآخر. والحوار عنصر أساسي إذا لم يكن موجّهًا بشكل صحيح فإنه لايشجع أن يُقبل الرفيق نحو رفيقه بصراحة وحميمية. يؤكد هارفي على أن نجاح العلاقة وتحقق السعادة هي بيد المرأة وليس الرجل. فالمرأة هي صاحبة القوة والسيطرة؛ فهي وحدها التي يمكن لها أن تسمح للرجل أن يتعرّف عليها وأن يصادقها وأن يقيم معها علاقة وغير ذلك. وفي الوقت نفسه، هي التي تملك فرصة أن ترفض الرجل ولاتسمح له بأي شىء. أما الرجل فإن أحب امرأة بصدق فإنه سيرتقي إلى مستواها ويقترب من معاييرها، ولكن المشكلة هي أن المرأة لم تعد ترفع من مستوى معاييرها، وأصبحت تقبل بأي رجل يعطيها أدنى اهتمام ولو كان اهتمامًا مزيفًا بغية الحصول على أمور بذاتها. وهذه هي المشكلة الحقيقية التي تكمن فيها معظم أخطاء النساء في العالم؛ فالمرأة هي بذاتها وبإرادتها التي تقبل الذلة والمهانة منذ البداية، ثم تستغربها بعد ذلك إن عاملها الرجل بشئ من اللامبالاة أو بالاحتقار، لأنها في واقع الحال أعطته درسًا بأنها إنسانه تتلهّف على أي رجل وتريد فقط أن تكون في علاقة ترضي غرورها الذي لايساوي قدراتها العقلية. والواقع أن المرأة تبدأ في احتقار ذاتها منذ بداية ملاحقتها للرجل وقبولها السلبي بردّة فعله الباردة وعدم اهتمامه بها؛ ومع هذا تكمل مسيرتها غير المشرّفة في ملاحقته ومحاولة استغلال بعض السمات الحسية في استمالته. وهذا بذاته يشرح كم هي سيدة مثيرة للشفقة، وليس لديها مايشغل وقتها لأنها فارغة وربما بلاقدرات عقلية مميزة ولامؤهلات نفسية أو معنوية. يقول المؤلف إن المرأة تخطئ حينما تعتقد أن الرجل يتصرّف بمثل عقليتها وأنه حينما يعطيها جزءًا من وقته في حديث عابر، وهو جالس في الباص أو واقف في انتظار التاكسي، أنه وقع في حبها لامحالة وأنه سيتذكر اسمها وأحلامها وآمالها. المرأة تدخل العلاقة مع الرجل بلا خطة واضحة؛ فهي تتصرّف معه وكأنّه سيفهمها دون مشكلات، بينما الرجل -إن كان في العلاقة- فهو بلاشك لديه خطة: إمّا أن يأخذ منها مايريد ويتركها، وإما أن يعيش معها بقية حياته. وبين هذا وذاك الكثير من الخطط كذلك، في حين أن المرأة تعتقد أنّ أيّ رجل سيجدها مثالية؛ وبهذا فهي لاتحتاج أن تخطط لأي شيء لكي تحسّن من تصرفها وطريقة تفكيرها، وإنما ينصبّ اهتمامها -إن وُجد- بالعناية بمظهرها الذي تشاركها فيه كثيرات. وهذه سذاجة كبيرة. المرأة يجب أن تحبّ نفسها أولا وأن تحترم ذاتها ولاتبتذلها لكي يقبل بها الرجل أو لكي "تصيد" رجلا. إن فكرة الحصول على رجل يقبل بها، تتضمّن حكمًا على أي علاقة معها بالفشل، لأنها تطلب من الطرف الآخر أن يحبّها ويحترمها ويقدّر ذاتها وهي بنفسها لم تفعل هذا؛ فكيف تطلب ذلك من الرجل وهي لاتعتقد أنها تستحق ذلك من نفسها؟ يصوّر هارفي الرجل على أنه مثل صياد السمك الذي قد يصيد سمكة ولكنه لايجدها تستحق أن يأخذها معه للمنزل فيرميها في البحر، وقد يصيد سمكة أخرى ويقرر الحفاظ عليها. وهذا بذاته مايحصل بين المرأة والرجل؛ فالرجل قد يُقبل على المرأة في البداية، ولكن بيدها وحدها أن تتحكّم في مجرى العلاقة وهي المسؤولة عن مدى استمراريتها ونجاحها. فالرجل قد يكتشف أن هذه السيدة لاتستحق أن تعيش معه ولا أن تشاطره حياته، ولن يشرفه كثيرًا أن تكون أمًا لأطفاله لأنها أظهرت من نفسها مايعيبها وصارت في نظره رخيصة لكونها لم تبحث عن رجل بمواصفات عقلية ونفسية عالية، بل يكتشف أنها تريد أي واحد من الذكور، وكان هو مجرد شخص محتمل. فتجد بعض النساء بعد الزواج أو بعد النجاح في الحصول على رجل، تلبس لباسًا غير محتشم ولا تراقب كلامها، فيصدر منها ماهو مبتذل أو تتكلم بكلام غير محترم، ولاتجد ضيرًا في التمادي في إقامة علاقات مع الرجال، وهذه المرأة لاتصلح لشىء. والعكس صحيح؛ فالرجل حينما يرى من المرأة تفوّقها العقلي والنفسي وتميّزها ودعمها وحبّها وإخلاصها وتواجدها ومراعاتها لنفسها ومن حولها واحترامها لذاتها ورفضها لكل مايخدش حياءها وكرامتها، فإنه حينها سيفهم أنها سيدة ذات معايير عالية. وهذا يتطلب منه أن يكون زوجًا بمعايير مميزة ممّا يحفزه على المحافظة على العلاقة بسعادة ويدفعه للعطاء دون حدود. الرجل كما يشرح هارفي يحتاج من زوجته إلى الحب غير المشروط والإخلاص التام، فهو يريد أن يتأكد أنه مهما تغيّرت الظروف وذهبت هنا أو هناك، أنها امرأته ولن تسمح لغيره أن يمسّها. وأيضًا يحتاج منها إلى الدعم النفسي والعاطفي وأن تقف معه في مراحل الحياة ومصاعبها وتعطيه الرأي والمساعدة وتجود بحكمتها وخبرتها. هذا إلى جانب أنه يحتاج إلى التواصل النفسي مع زوجته والتواصل الجسدي حيث يشعر أنها تقبّله عاطفيًا وجسديًا ولاتشعره أنها متذمّرة أو نافرة منه. أما المرأة فإنها تريد من الرجل أشياء كثيرة يصعب حصرها، وهذا أمر مروّع للرجل: فهو لن يقدر على إرضائها لأنها تريد كل شىء الآن، وتطلب كل ذلك دون مبررات معتبرة الرجل صاحب القوة العليا. وهذا لايمكن قبوله لأنه غير واقعي. هذا الكتاب الذي أهداه المؤلف لكل النساء عساهن يتعلّمن احترام الذات يشرح بوضوح أن المرأة حينما هبطت بمعاييرها نحو الأسفل فقد هبط معها الرجل والمجتمع بأسره. ويجد أن المرأة حينما تعتزّ بذاتها وتحترم كيانها بالارتفاع عن المواقف التي فيها إذلال لكرامتها، فإن الرجل نفسه يرتفع معها. يجب عليها أن ترفض أن تضع نفسها في موضع ملاحقة للرجل والبحث عن أي علاقة، لأن هذا ضد طبيعة الرجل الصياد الذي لايقبل أن يصطاده أحد. فالرجل إن لم يتواصل مع المرأة فهو لايريدها وليس في ذهنه لها أي خطة مستقبلية لأنها لاتهمه في شيء. والمرأة لاتفهم هذا، وتظل تحاول كسر الواقع وفرض نفسها ولكنها تخسر لامحالة لأنها تظهر بصورة الإنسان االخالي من الحياة؛ وحينها سيستغلها الرجل ويهرب. وهذا مايحصل مع أكثرية العلاقات الفاشلة التي تبدأ فيها المرأة، ثم تولول بعد ذلك وتشتكي من استغلال الرجل لها. وكان حريّ بها ألا تلوم أحدَا سوى نفسها؛ فالرجل لن يستغلها إن لم تسمح له بذلك منذ البداية.