باتت طريقة ارتداء الحجاب أولى العوائق والمعضلات الحساسة التي تواجه أسر المبتعثين في الخارج. وأضحى اتخاذ القرار في هذا الشأن من الصعوبة بمكان لاعتبارات دينية وثقافية واجتماعية يصعب معها أن يكون التغيير سريعاً ومفاجئاً لما كان سائداً لسنوات طويلة في المجتمع السعودي. القرار بكشف وجه المرأة او تغطيته يشكل في فترة سنوات الابتعاث منعطفا هاماً وتاريخياً في حياة معظم الأسر ويعتبر في بعض الحالات تمرداً واضحاً على العادات والتقاليد المرتبطة بمظهر المرأة. مدى تقبل الشعب البريطاني للحجاب يلعب دوراً كبيراً في إقرار طريقة ارتدائه. إذ لم يعد أمراً غريباً في بعض المدن خاصة في الأحياء التي يكثر فيها السعوديون. لكنه في الجانب الآخر يبدو غير ذلك بعض الشيء لقاطني الأحياء الجديدة التي تتميز بتواجد المولات الكبيرة والحديثة والذين لم يألفوا رؤية نساء يغطين وجوههن. كما أنه يقابل في قليل من الحالات - الحجاب - بازدراء من المواطنين البريطانيين. الأسرة السعودية تتخذ قرارها في بعض الأحيان بعد مداولات طويلة واستشارات تمتد لتصل أرض الوطن حيث يلعب أهل الزوج او الزوجة عاملاً رئيسياً في ذلك خاصة اذا ما كانت الأسرة تفتقد الى السرعة والقوة في اتخاذ القرار. بعض الفتيات يلجأن الى كشف الوجه «سراً» لاعتبارات عديدة أهمها أن تكون بمنأى عن ضغوط المجتمع المحلي الذي غالباً ما يكون بعيداً عن ظروف طبيعة الحياة والعيش في الخارج. القرار بدا صعباً ومحرجاً لأحد المبتعثين السعوديين إذ اتفق وزوجته على عدم كشف الوجه لكن القرار نقض في أول أيام الدراسة الجامعية إذ كان الحرم الجامعي يعج بمئات الطلبة الأجانب وكانت نظرات الاستغراب ترقب «المحجبة» مما جعل يومها الأول صعبا للغاية. يقول محمد. ع «لم أكن أتوقع أن حجاب زوجتي سيلفت الانتباه بهذا الشكل ولم أشأ أن تكون محط أنظار الجميع بحجابها. واتخذت ما يمليه علي ديني». الطالبة منيرة عبدالله تشير الى أن الحي الذي تقطنه في بريطانيا ألف رؤية السعوديات وهن يغطين وجوههن لكن التوجه الى منتصف المدينة يجبرها على كشف وجهها لكيلا تصبح في وضع غريب للعامة. الطالب فيصل اعترف بوجود اختلاف بوجهات النظر بينه وزوجته في طريقة ارتدائها للحجاب حال وصولهما الى بريطانيا موضحا انه توجه بالسؤال الى أحد المشائخ في المملكة وأفتى الشيخ بوجوب تغطية وجهها. ويقول في هذا الصدد «تواجه زوجتي بعض نظرات الاستغراب في الأماكن العامة لكنها تحتسب الأجر في ذلك وهي تؤدي أمراً واجباً عليها». وتعترف ز. ع بأن مناقشة طريقة ارتداء الحجاب استمرت سنة كاملة قبل المجيء لبريطانيا حيث اتفقت مع والدها على كشف الوجه تفادياً لما قد تسببه تغطيته من حرج ولفت للأنظار لكنها تفاجأت برفض والدتها المتواجدة في المملكة الى ما ذهبت اليه وهو ما سبب مشكلة عائلية لم تنهها الا عودتها لتغطية وجهها. سعود. ع يوضح ان كشف وجه زوجته جعله مركزاً لتوافد الناصحين له بالعدول عن ذلك. مشيراً الى أن البعض من أبناء جلدته لازال ينقل الدجل الدائر في المجتمع المحلي الى دول الغرب رغم الفارق الكبير في البيئتين. ويستغرب سعود أن يكون هناك قرار مصيري مرتبط بارتداء الحجاب ويشير الى أن البيئة التي يعيش بها حاليا في الغرب لا يتواءم معها تغطية المرأة لوجهها مستدلاً بإجازة بعض العلماء الشرعيين لذلك. أما فهد فلا زال جهازه النقال يستقبل العديد من رسائل الوعظ والنصح من أقاربه بعد أن بلغ أسرته كشف وجه زوجته ويقول في هذا الصدد «القرار كان صعبا وحساسا لكننا اتفقنا على ما نراه مناسبا لحياتي أنا وزوجتي». ويضيف «كنت متخوفا من موقف المجتمع البريطاني من الحجاب لكنني اصطدمت بضغوط المجتمع السعودي تتخطى الحدود وتحضر إلينا بثقلها المعهود». أمام هذه المشاهد من الجدل الذي يدور في أروقة العائلات السعودية في الخارج ورغم الصعوبة التي تكتنف اتخاذ قرار حاسم بحجم «الحجاب»، لا يجد البعض حرجا في أن يربط مصير حجاب زوجته بحجاب زوجة جاره أو صاحبه سائلاً إياه «تكشف ولاّ ما تكشف؟» ليتلقى إجابة شافية وحاسمة تريحه من عناء البحث والتقصي وضغوط المجتمع المحلي.