كان الراديو في الحارة قديماً منفعة وشكوى . منفعة للجوار لمن لا يملك الجهاز ، وشكوى لصوته وضجيجه لتلاصق المباني وضيق الشارع . خصوصا في ليالي الصيف حين كانت الأسر تنام في السطح طلبا لهدوء الليل وعذوبة نسيمه . فالجار يستطيع سماع تفاصيل الأخبار ، وليس الموجز فقط ! . والجار الذي يتحفظ على اقتناء الراديو ، يستعيذ من مسلك جاره على الدوام ، وتضطره الحال في بعض الأحيان إلى دق الجدار ، وبعنف. لايعرفه أغلب الناس إلا بالمفردة الأولى. فكلمة المذياع مثل كلمة التلفاز - قليل من يستعملها. وأخذ الراديو دوره المميز في بلادنا منذ الأربعينيات الميلادية وعرفته مدن وقرى نجد في ليالي الصيف أثناء انتقال الناس الى سطوح المنازل بعد المغيب. وكان جمهور الراديو من طبقتين. طبقة النخبة الذين يميلون الى محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش، وطبقة أخرى تهوى محمد زويد وعبداللطيف الكويتي ومحمد فارس. والأوائل من أنصار القاهرة وصوت العرب والأواخر من متابعي إذاعة الكويت. يجيب الكويت؟ هذا هو السؤال التقليدي الذي يطرحه الزبون قبل شرائه الجهاز الذي يعمل على بطارية جافة كبيرة وثقيلة جداً. وفي بعض مدن نجد كان الراديو سلعة مستهجنة.. وعارضها ومشتريها . وكذلك من يقوم بإصلاحها. وفي مرحلة من السنين الماضية كان الراديو مصدر إزعاج. وبخاصة إذا كانت المباني متلاصقة. مثل ساكني الشقق. ففي ثقافة الأفلام المصرية يصل الأطراف إلى أقسام الشرطة بسبب مضاربة حدثت لأن الجار طلب تخفيض صوت الراديو. والشاعر أحمد الصافي النجفي ( 1897- 1977م) كان يكره المذياع بدليل قوله: (الراديات) مصيبة بضجيجها إن أمسكتها كف جِلف ضارِي ليس الحمار بمزعجٍ في صوته أبداً كمذياع ببيت حمارِ . وقالت صحيفة ذي تليغراف اللندنية أخيراً إن مسحاً أجراه مكتب الإعلانات الإذاعية في بريطانيا كشف عن أن الاستماع إلى الراديو يجعل الشخص أكثر راحة وطاقة وحيوية ، لكونه يوظّف حاسة السمع فقط ويترك الحواس الأخرى مرتاحة . ورأيتُ بعض ممارسي رياضة المشي يحملون جهاز راديو صغيراً يضعون السماعة في آذانهم وتعرفه من الهوائي(الأنتين)..