ماشهدته العاصمة الرياض يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي من غبار كثيف حجب الرؤية يدخل ضمن حوادث الطوارئ الطبيعية التي تحتاج إلى سيطرة وحلول ميدانية ذكية وسريعة. فلقد تسبب الغبار الداكن الكثيف في حوادث مرورية عديدة، وجلب الفزع في نفوس الناس، كما تسبب في حالات إغماء كثيرة لمن يعانون من الحساسية والأمراض الصدرية. وأرجو أن تكون هذه الحادثة قد فتحت أعيننا على وجود مشكلة حقيقية تتمثل في افتقار بلدنا إلى جهاز لإدارة الكوارث. فلقد اكتشفنا الغبار على حين غرة، فلم تسبقه تحذيرات عملية صحيحة، ولم نعلم عنه إلا حينما أدركنا في الوقت الذي كان فيه بعضنا يجوب الشوارع والبعض الآخر في الميدان، وهناك من يعمل في الشارع وآخر فوق مبنى عال، والمحظوظ من كان داخل مبنى من المباني. وكنت من أولئك الذين ضمّهم المبنى قبل لحظات من ثورة الغبار، ورأيت بعيني مسيرة الشوارع الفوضوية حينما أحاطت العاصفة بالجميع، وكانت الدهشة والارتباك والذعر مما يحدث هي السمة البارزة، وكان الحل أمام سائق السيارة هو أن يفعل مثلما يفعله من حوله، إن وقفوا وقف وإن ساروا تحرك معهم. وفي تلك اللحظات توجّهت إلى التلفزيون السعودي وفتحته لكي أعرف معلومات عن الغبار ومتى ينقشع والنصائح الموجهة لقائدي المركبات وللناس في بيوتهم، فلم أجد شيئًا عن الموضوع وكأن الغبار يحصل في دولة أخرى. وفيما بعد، سرت معلومات أن مصلحة الأرصاد وحماية البيئة ممثلة في الأرصاد الجوية قد وجّهت تحذيرات قبل عدة أيام عن وجود غبار على المنطقة الوسطى، وهذا ربما يذكرنا بما نسمعه دائمًا من وجود "جو غائم إلى غائم جزئيًا"، وهي العبارة المترهلة التي لا تستطيع أن تعثر لها على دلالة واقعية في الجو، فإن جاءت غيوم وأمطار قالوا لقد أبلغناكم بذلك، وإن جاءت شمس وغبار، يصح القول بأن الجو كان غائمًا جزئيًا! وكان من المتوقع أن إدارة الدفاع المدني تقوم بدور مهم في توعية المواطنين قبل وقوع الحادثة وخلال وقوعها لتوجيه قائدي المركبات والأسر في بيوتها. ولكننا، لم نجد لا بث التلفزيون، ولابث الراديو قد انقطعا لكي يظهر إعلان أو تحذير كما هو معمول به في أغلب دول العالم. طبعًا هذه مشكلة أخرى تتعلق بعدم وجود آلية لاستثمار مصادر البث على الهواء والدخول عليها مباشرة لتوجيه رسائل للناس. وسبق أن تحدثت في هذه الزاوية من قبل عن وجود مشكلة في إسعاف المصابين والمرضى وصعوبة الوصول إليهم، وعدم وجود طريقة عملية لإنقاذهم. وذكرت أن هذه القضية تتوزع بين عدة جهات هي: المستشفيات والهلال الأحمر والدفاع المدني والشرطة، واقترحت توحيد عمل هذه الجهات تحت مظلة إدارية أكبر تهتم بإدارة الكوارث والحوادث. والآن، وبعد أن جاءت العاصفة الترابية، وجدنا أن أحدًا لم يستطع عمل أي شيء لإنقاذ من اختنقوا بسبب الغبار، ولا أحد فك الاختناقات المرورية في وقتها، ولا أحد ساعد الناس المتجمهرين للخروج من مبنى أو للدخول في آخر، ولا أحد أرشد الأسر القابعة في بيوتها نحو مايجب عمله، ولا أحد طمأنهم على مصير أطفالهم في المدارس ومصير ذويهم في الشوارع والأماكن العامة. ربما لا أحد يعرف من هو المسؤول المباشر عن ذلك؛ هل يدخل ذلك ضمن مهام الدفاع المدني أم المرور أم الشرطة أم الهلال الأحمر أم مصلحة البيئة والأرصاد الجوية أم التلفزيون والراديو؟ ومادام الأمر على هذه الحال مع الغبار، فلنا الحق أن نتساءل: ماذا لو جاءت كارثة طبيعية أخرى، كاجتياح سيل عارم أو عاصفة مدمرة أو انقطاع للتيار الكهربائي أو حدوث زلزال.. وغير ذلك من الكوارث المحتملة؛ فماذا سنفعل؟ أعرف أن البعض يفضّل الحلول المخدرة التي تبدأ بالقول: هذه حوادث لاتحصل إلا في فترات متباعدة ونادرة، أو يجب أن نتفاءل بالخير، أو ستر الله يدوم، وغيرها من عبارات "التواكل" والتهرب من مواجهة المشكلة. ولكن تلك الحلول لم تعد مجدية في هذا العصر الذي تقدمت فيه التقنية وصارت الأمم تخطط لمواجهة المشكلة قبل وقوعها، حتى إذا وقعت لم تعد مفاجئة ولا مستغربة، وهذا يساعد على السيطرة عليها بإذن الله والتقليل من أضرارها. وبلدنا ولله الحمد ينعم بالخيرات وليس أقل من تلك الدول التي لديها تجهيزات واستعدادات لمواجهة الصعاب. أعتقد أنه آن الأوان لاستحداث جهة مستقلة لإدارة الكوارث تُبنى على أساس مهني عالٍ جدًا، وتنضم إليها كوادر خاصة ذات قدرات متميزة من الأطباء ورجال الدفاع المدني ورجال الأمن والمهندسين والخبراء، بحيث تسخر طاقات الجهات الموجودة حاليًا لحماية حياة الناس قبل وقوع الكارثة، ولإنقاذهم حال وقوع الكارثة، وللمضي في إعادة الحياة الطبيعية بعد انتهاء الكارثة. وبالله التوفيق.