} الحياة الزوجية عالم آخر يأوي له الإنسان من رجل وامرأة، وتقرر هذه الحياة - الى حد بعيد - سعادة الإنسان او شقاءه، فمن لا يجد السعادة في بيته فلن يجدها في مكان آخر. وذلك العالم الآخر - الحياة الزوجية - زاخر بالمشاعر والعواطف، والشد والجذب، والحب والكره، بل والمودة والحقد، وذلك لشدة التلازم بين الزوجين، والتأثير العميق لسلوك كل طرف على الآخر، مع العلم بأن سلوك الإنسان إزاء شريك حياته يظهر جوهر أخلاقه الفعلية، ويكشف معدنه الحقيقي، لأن الإنسان - من ذكر أو أنثى - يتصرف مع شريك حياته بلا تكلف ولا تصنع، فقد يتكلف الإنسان مع زملائه في العمل، ومع رؤسائه، ومع جميع الناس الا مع شريك الحياة حيث يبدو السلوك على السجية، وتسقط الأقنعة، ويبدو الإنسان كما هو في أعماقه، ذلك بأن الحميمة في الحياة الزوجية تبلغ ذروتها، ويصل الاختلاط البشري مداه، فكأن الحياتين تمزجان في حياة: فالزوج أصبح الأساس في حياة الزوجة، والزوجة أصبحت جزءاً من الهواء الذي يتنفسه الزوج، فهما يعيشان معاً باستمرار وهما سكن لبعض، وكل يرى الآخر في مختلف أحواله: بضعفه وقوته، بصحته ومرضه، وكما هو على حقيقته، اذ يصلح التمثيل في كل اجتماع بشري الى حين، إلّا بين الزوجين حيث يستحيل التمثيل او يكاد يتجلى الإنسان كما هو، بحسناته وعيوبه، بعاداته الطيبة والقبيحة، وبمشاعره العارية التي مهما حاول سترها تتكشف مع العشرة وطول السنين، ولهذا فإن لكل إنسان صورة أخرى لدى شريك حياته تختلف عن صورته كما يراه الناس الآخرون، وهي صورة أقرب ما تكون للواقع، اذا كان الطرف الآخر منصفا واقعيا. وخلاصة هذا أن الحياة الزوجية - رغم ما يعتريها من اعتياد وملل، كثيراً ما تضطرم بالمشاعر المختلفة، حسب المواقف والتصرفات، وانعكاس ذلك على سعادة الطرف الآخر او شقائه، راحته او قلقه، فليس من السهل ان تذوب حياة إنسان في حياة إنسان آخر. والعرب بالذات من أكثر الشعوب حدة في الشعور وخاصة في حياتهم الزوجية، فهم من أكثر الأمم غيرة، ومن أكثر الأمم اهتماماً بالتدقيق في اختيار شريك الحياة، لما يترتب عليه من النسل، ولامتزاج عائلتي الطرفين ببعض، حيث يتم - قبل ذلك - التدقيق في الأنساب وفي الأصل والفصل، وفي العم والخال، يضاف الى هذا أن العرب يعشقون كثيراً، وأنهم متطرفون ايضاً في كثير من الأحيان، متطرفون في السلوك وفي الشعور، في الفعل ورد الفعل. ٭٭٭ وليس من شأن مقال عابر ان يلم بجوانب كثيرة مما قيل في الحياة الزوجية او في المواقف التي تمر بين الزوجين، فهي أكثر من أن تحصر في كتاب فضلاً عن مقال. ولكننا نختار بعض المواقف الطريفة او المعبرة.. وخاصة التي تأتي على شكل حوار، فشعراء العرب كثيراً ما يذكرون حواراً دار بينهم وبين زوجاتهم، ويعبرون خلاله عن مشاعرهم او مآثرهم. كان الشاعر (ابن ابي مرة المكي) كريماً متلافاً، وكان قصير القامة، فلامته زوجته على إتلافه المال للأضياف وخافت ان يفتقر ويحتاج أولاده وهم أولادها، فقال - وأشار الى قصر قامته وأن المهم هو الجوهر لا المظهر:- «تقول اتئد لا يدعك الناس مملقاً وتزري بمن تسعى له وتعول فقلت: أبت نفس علي كريمة وطارق ليل غير ذاك يقول ألم تعلمي، ياعمرك الله، انني كريم على حين الكرام قليل فلا تتبعي العين الغوية وانظري الى عنصر الأحساب فيه يؤول ولا تذهبن عيناك في كل شرمح له قصب جوف الفطام أسيل عسى ان تتمنى عرسه أنني لها به، حين يشتد الزمان، بديل اذا كنت في القوم الطوال فضلتهم بعارفة حتى يقال طويل ولا خير في حسن الجسوم وطولها اذا لم يزن حسن الجسوم عقول فإن لا يكن جسمي طويلاً فإنني له بالفعال الصالحات وصول» ٭ وفي (حماسة أبي تمام 1/353) ان امرأة الهذلول بن كعب حين رأته يطحن ضربت صدرها بيدها وقالت وهي تشهق مستنكرة: «أزوجي هذا بالرحى المتقاعس» فقال يخبرها انه يطحن للأضياف ويفخر بهذا وبشجاعته: «تقول، ودقت صدرها بيمينها: أبعلي هذا بالرحى المتقاعس فقلت لها: لا تعجلي وتبيني فعالي اذا التقت علي الفوارس ألست أرد القرن يركب ردعه وفيه سنان ذو غرارين يابس واحتمل الأوق الثقيل وأمتري خلوف المنايا حين فر المغامس واذا خام أقوام تقحمت غمرة يهاب حمياها الألد المداعس وأقري الهموم الطارقات حزامة اذا كثرت في الطارقات الوساوس لعمر أبيك الخير إني لخادم لضيفي، وإني ان ركبت، لفارس وإني لأشري الحمد أبغي رباحه وأترك قريني وهو خزيان ناعس ٭ وبمناسبة الشجاعة نجد ان شاعرةً شعبيةً لا تريد رجلاً شجاعاً، وتقول انها تعرف أهمية الشجعان وتحبهم ولكنهم أقوياء وهي تريد زوجاً يكون خاتماً في يدها طوع أمرها.. أورد الأبيات الشيخ عبدالله بن خميس في كتابه (الشوارد) جزء 3 ص381 وفيها تقول مويضي البرازية: «ماهو بخافيني رجال الشجاعة ودي بهم ما ر المناعير صلفين أريد مندس بوسط الجماعة يرعى غنمهم والبهم والبعارين واذا نزرته راح قلبه رعاعه يقول: ياهافي الحشا ويش تبغين؟! وان قلت له هات الحطب قال طاعه عجل يجي بالقدر هو والمواعين!» قلت: ولا يستبعد أن تكون الأبيات منحولة عليها، قالها على لسانها شاعر آخر أراد به هجاء زوجها وافساد العلاقة بينهما اما لأنه يحبها أو لأنه يكره زوجها مثلاً. ٭٭٭ وفي كتاب (شاعرات من البادية) للأستاذ عبدالله بن محمد بن رواس، قال ص 612ج1: وهذه شاعرة أخرى كان زوجها يكثر الأسفار ويطيل الغياب بحثاً عن الرزق ولما استثقلت هذا الأمر وتضايقت من طول البقاء وهي منفردة قالت هذه الأبيات تناشده صلاح أمره: «الى متى راحت حياتي وانا ارجيك والله لا يقطع رجاً بك رجيته لوشفت دمع عيني اللي تراعيك هلت على المكتوب ساعة قريته إن كان جا مستقبلك مثل ماضيك اقول: ياخلاف سعيٍ سعيته ان كان تبغيني مثلما ني ابغيك لزوم تاطا بالوعر ما وطيته وان كان حال الياس دون الرجا فيك أقول: ذا ذنبٍ لنفسي جنيته»