تحولت السيرة الذاتية، عند بعض الكتّاب الى (خرافة).. تنحو بشخوصها منحى (الرواية الأسطورية)، ترفع وتخفض من تشاء على هوى مؤلفها، وتنصّبه هو بطلاً أسطورياً أوحداً، ولا عبرة ولا قيمة ولا أهمية لكل الأدوار المؤثرة ، وشخوصها يتحولون - بجرّة قلم - إلى مجموعة (كومبارس)، ويُطل هو - من فوق - مثل (عمود البرقية) أيام زمان، أو مثل بعض أبراج الجوّالات الشاخصة خارج التغطية، بلا شبكة، ولا حرارة، ولا (فكاهة ولا مازّية) كما كان يقول الفتوّة (أبو عنتر) في مسلسل (حمّام الهنا).! وأذكِّر من فاتته تلك الحلقات (الأبيض والأسود) بدور السيد (أبو عنتر) الذي كان يملأ الحارة صراخاً يلوي الحقيقة - لي الذراع - بعد أن فقد وسيلة الإقناع، وصعبت عليه نفسه، وأصبح (لا في العير ولا في النفير).! انتهى زمن (البطولة المطلقة).. أصبح البطل هو العمل نفسه وليس صاحبه، فإما أن ينجح ويتفوّق ويتألَّق، وإما أن ينحدر ويتردّى ويهوي بصاحبه إلى القاع مثل سقط المتاع.! ويعلم صُنّاع الأفلام علم اليقين أن ممثلاً واحداً رديئاً يُمكن أن يُسقط الرواية كلها على أم رأسها، وحينها يتحول السيد المخرج، القابع في برجه العالي الى مجرد (خيال مآته) لا تحفل بوجوده حتى الطيور.. وعندها لا يسعه إلا أن يخلع قبعته، ويشد شعر رأسه ويصيح في فريق العمل بصوت مرتجف: (فركش).! تفوقت الرواية اليوم حينما اعتمدت أول ما اعتمدت على صدق (الرواة)، وتحولت إلى (اعترافات).. وابتعدت عن تضخيم الذات.. وأصبحت عملاً أدبياً عربياً كامل الأدوات.. يستحق أن يُترجم إلى كل اللغات، بعد أن تحرّر (الراوي المبدع) من عقدة الفوقية والنرجسية، وأصبح صادقاً مع نفسه. اكتبوا (الرواية) فهي اليوم - بواقعها الحالي - شهادة حضور قوي في لون مهم من الأدب يضيف إلى (ديوان العرب) نفساً أطول، بشرط واحد هو الصدق، حتى لا تتحول السيرة الذاتية إلى نسيج (هُلامي) ليس فيه إلا بعض (الأوهام) بعض (التعالي).!