كانت المسلكية السياسية العربية الاعتصام بحواجز الخلاف وتبادل التهم ووضع الخيارات أمام المواطن.. أين يتهم وأين يبرئ، ولم تسفر خياراته طوال أكثر من نصف قرن عن اختيار موقف نزيه يتم الاعتماد عليه، ولذا بقيت حالة الركود الواهنة تسيطر على الموقف العربي من كل قضاياه، بل أصبح يشاهد تكدس خسائره، خصوصاً والعواصم العربية تتوالى الصعود والهبوط على منابر المزايدات والاتهام.. هذا واقع عربي لم يمكن إنكاره، ويمكن بسهولة رصد سلبياته.. الأمر الذي جعل الغرب والدول المؤثرة عالمياً تهمش الأهمية العربية وتجعل إسرائيل تتحدث عن السلام، في الوقت الذي تهجر فيه الآمنين فيها، وتوالي بناء المستوطنات.. إن الرياض والقاهرة كانتا أكثر العواصم العربية مؤخراً استهدافاً للتطاول والتشكيك، حتى تساءل كل مواطن سعودي ومصري.. إلى أين نسير إذا كان من حولنا لا يريد أن يصغي لنا..؟ ماذا سنقدم إيجابياً للقضية الفلسطينية إذا كان أن الفلسطيني مشغول بخصوماته الخاصة ويهرب من حقائق قدرتنا إلى مظلات واهنة عند غيرنا..؟ لمصلحة من تتوسع مشاكل عروبتنا مادام هناك استيعاب لإيران..؟ وإلى متى نعمر ونبني مادام حزب الله وما يماثله في المستوطنات داخل لبنان وكذا اسرائيل يخلقون فرص الهدم..؟ وإلى متى تخرج أهمية الجولان عن أهميات المساحات الفلسطينية..؟ وهل تهديد الخليج أقل خطورة من تهديد مساحات أخرى على البحر الأبيض..؟ وهل نتوقف في تقدمنا التنموي ارتباطاً بجمود غيرنا..؟ لن نستدعي الشواهد من ذاكرة نسيان قديم، فالملك عبدالله وعبر الشواهد العملية كسر تشريع منصات الخطاب والتسابق الإعلامي في مناسبات الظهور، وطرح المواقف العملية الصادقة النوايا في وجه الولاياتالمتحدةالأمريكية أولاً، ثم في وجه الخلافات العربية، وبالذات من يمارسون سياسة الميكرفون والهبل التخبطي في مواقع الحياة العربية.. رفض أن تكون القمم العربية مناسبات للخطابة، ورفض أن يكون العرب مع الصداقة الأمريكية مجرد طابور تصفيق، وأن تكون حيوية الوجود العربية قائمة على تبادل الاتهامات.. هناك قضايا ومواقف ومصالح وسياسات دولية لابد من واقعية جماعية تتعامل مع كل ذلك بمواقف موحدة واستراتيجية عمل متضامنة وأن كل ما هو مسلوب عربياً هو جزء من قضية عربية شاملة.. كانت واقعية لغته صدقاً وأمانة وبعد نظر في قمة الكويت هي ذلك التفجير النوراني الذي فتح الطريق لطرد الخلافات والنزاعات وعزلة نوعيات المشاكل وفتح الطريق الأوسع نحو عالم عربي لا تحكم تصرفاته سلوكيات رئاسة بقدر ما تحكم تلك السلوكيات مسؤوليات أداء صادقة ونزيهة. في قمة الكويت خرج الملك عبدالله بالعالم العربي من تاريخه الممتد لما يصل إلى أكثر من خمسين عاماً كي يباشر وجوده المتفاهم والمتعاون من أجل إنجاح مسؤوليات مشتركة.. ليس صحيحاً أن القضية الفلسطينية وحدها هي قضية العرب، ولكن كل أرض محتلة ومثلها كل وجود عربي مهدد بغض النظر أين تكون المواقع الجغرافية هو قضية العرب التي يجب أن توحد الجهود وتنظم وحدة الأمة.. الأمة التي يجب أن تأخذ مكانها في أولويات الصراع ضد أي خصم وليس مزاج صاحب القرار وحده.. إن الملك عبدالله أول حاكم عربي أنكر ذاته التاريخية العظيمة، من خلال ما أعطاه لمجتمعه من أمجاد، فأبرز مكانة المسؤولية المرموقة لأمته، ولهذا بعد قمة اليوم نتطلع أن تكون القمة القادمة منطلق توثيق لأكبر حضور عربي..