للمسجد مكانة كبيرة في الإسلام، هو المدرسة الأول التي تنفس منها نور الهدى، وفيه تعلم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أمور دينهم وبلغوها من بعدهم، فلاشك أن دور المسجد مؤثر في عموم الناس، ويسهم إسهاماً فاعلاً في تكوين ثقافاتهم، وتوجيه وتفسير ما يواجههم من أحداث وما يشاهدون من وقائع. ومايحدث لبعض الشباب من فساد فكري، وتطرف عقدي، وشذوذ منهجي راجع إلى أسباب كثيرة - ليس هذا مجال بسطها - منها: الجهل وقلة العلم، ومنها سوء التصور وقصر النظر، ومنها شحن العواطف بما يزعم انه من نصرة الدين وإنكار المنكر، وكل هذه الممارسات ناتجة عن انحراف فكري أدى بدوره إلى ممارسات إرهابية عدوانية، وهذا الإشراف في الفكر لابد أن يواجه بفكر سليم يدحض شبهاته ويفند مزاعمه ويجلي الرؤية لدى هذا المتأثر بذلك الفكر وهذا ما يمكن للمسجد أن يسهم بدور أساسي فيه ويكون ذلك بوسائل عديدة منها: أولاً: أن يقوم الخطيب بدوره المرجومنه بأن يحرص في خطبه على التطرق إلى تلك المواضيع المهمة التي توضح طريقة أهل السنة والجماعة في محاربة هذا الفكر المنحرف، وتعظيم السلف رحمهم الله لأمر الإمامة والولاية حتى تكلموا عنها في كتب العقائد فهذه المسألة عندهم من المسائل التي لاتقبل المساومة بل هي مسألة أصل من مسائل الدين وهي من المسائل التي كان السلف يمتحنون بها فمتي رأوا الرجل لايعرف للسلطان حق علموا انه مبتدع بعيد عن الجادة حتى يرجع، وعلى الخطيب أن يرد على شبه الخوارج الضالين، وشبههم ولله الحمد هشة لاتقاوم الدليل الذي نستمده من كتاب الله الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. ثانياً: على الإمام والخطيب - بعد التنسيق مع وزارة الشؤون الإسلامية - إقامة المحاضرات والندوات التي تتناول موضوع التحذير من الإرهاب، وتوضح خطره، وبيان الواجب على المسلم حيال ذلك، والحديث عن حقوق ولاة الأمر في الإسلام وما أوجب الله تعالى لهم من الحقوق، وما أمر سبحانه من طاعتهم وتوقيرهم، ويحذرهم من الوقوع في أعراضهم وأن هذا من الخروج باللسان، وهو أول طريق الضلالة. ثالثاً: يوجه الإمام والخطيب جماعة مسجده إلى الحرص على أبنائهم، ومتابعتهم، وتوجيههم التوجيه الصحيح وتحذيرهم من المناهج المنحرفة الفاسدة التي تسوقهم إلى تكفير المسلمين وعداوة المجتمع الذي ليسوا إلا جزءا منه وعضواً من أعضائه، فكيف يعودون عليه بالخيانة والتنكر والتعدي، وأنه يجب على الوالد متى رأى من ابنه تغيراً في فكره أو خللاً في سلوكه يدل على تأثره بهذا الفكر المنحرف أن يبادر إلى تبليغ الجهات الأمنية مباشرة، ليتم توجيهه وتقويم عوجه الفكري ليعود إلى ما كان عليه من فطرة سليمة وولاء صادق، وهذا هو العلاج للأمر في أوله، وفيه حفظ لهذا الشاب، وحفظ لعموم المجتمع. رابعاً: أن يكون الإمام قدوة صالحة في نفسه، وذلك بظهور تعظيمه لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بطاعة ولاة الأمر ومحبتهم والدعاء لهم وأن هذا من الدين الذي يتقرب العبد به إلى الله، ويكون قدوة أيضاً ببعده عن مظاهر التشدد والتنطع المذمومين، وإظهار سماحة الشريعة ويسرها وبعدها عن الحرج والمشقة. خامساً: أن يقطع الإمام والخطيب الطريق على كل من يريد استغلال المسجد لأغراض فاسدة أو مقاصد مشبوهة ويكون ذلك بأمور: - أن لايسمح لكل من أراد إلقاء كلمة أو موعظة بدون إذن أو تصريح من الجهات المختصة والاقتصار في ذلك على من سلك الطرق الرسمية، وبذلك تضبط الأمور. - منع توزيع أي مطوية أو منشور أو إعلان مالم يفسح نظاماً ويؤخذ الإذن على توزيعه، فتوزيع المنشورات غير النظامية يؤدي إلى فساد كبير، ويسهم بشكل مباشر في الترويج للفكر المنحرف، والدعوة إليه باسم إنكار المنكر أو الدعوة إلى الله، وهذا الفعل في حقيقته منكر يجب إنكاره بعيدا كل البعد عن الدعوة إلى الله. - الحذر والتحذير من التجمعات في المساجد، وأن المساجد إنما جعلت للعبادة وإقامة الصلاة، فتؤدى فيها تلك الشعائر المباركة، بعيداً عن تلك التجمعات الخطرة التي تجر الويلات على الأمة، فقتلة عثمان رضي الله تعالى عنه كان تجمعهم لقتله في المسجد، ولاحول ولاقوة إلا بالله. * عضو الجمعية الفقهية السعودية