..نواصل في هذه الحلقة تناول شخصية الأرتيست أو الفنانة كنموذج لما يعيد تشكيله المجتمع من خلال شخصية ماضية ومتخيلة وبين شخصية معاصرة ومعاد تخيلها. ..على أنه أقدمت نادية الجندي على تحقيق دور الراقصة في فيلمها: حكمت فهمي -1994، ولحقتها المخرجة التونسية سلمى بكَّار على إنجاز فيلم: "رقصة النار-1995" الذي يتناول سيرة المغنية التونسية حبيبة مسيكة إلا أنه قد اتجهت مسلسلات التلفزيون إلى عرض سير أخرى لفنانين وفنانات، ويشهد على ذلك مسلسل: أم كلثوم-2000 (إخراج إنعام محمد علي) الذي نال شهرة كبيرة بحكم السيرة التلفيقية لشخصية أم كلثوم بوصفها المتعالي والرباني ثم تلاه مسلسلان آخران عن عبد الحليم حافظ وآخر عن سعاد حسني أخفقا لأسباب سوء معالجة السيرة واختيار الشخصيات ومسائل فنية لم تراعِ الزمن ولا الحالة الثقافية والاجتماعية والسياسية فيما استطاع فيلم: كوكب الشرق-2000 (إخراج محمد فاضل) أن يعرض شخصية أم كلثوم بوصفها سيرة كفاح امرأة لم تخلْ من عرض حالات إخفاق وتأزم برعت فيها الممثلة فردوس عبد الحميد، وهذا ما جعل صناع السينما ينجزون فيلماً عن عبد الحليم حافظ: حليم-2006 أعيدت أكثر أسباب إخفاقه شخصية الممثل أحمد زكي المناقضة بالشكل والمضمون والقدرة الأدائية عن تمثيل صورة عبد الحليم حافظ القوية في ذاكرة العرب. ..ولا يمكن أن تغفل المتابعة الشغوفة لسيرة أسمهان في مسلسل غير مسبوق (تأليف: قمر الدين علوش، إخراج: شوقي الماجري) الذي عرض في رمضان 2008، في حين وفِّق طاقم العمل من كتابة وسيناريو وديكور وإضاءة وتصوير وإخراج إلا أن المفاجأة هي رؤية العرب لسيرة امرأة عربية ذات صورة عصرية وأكثر نموذج نسوي عبر عن الحداثة في مستوياتها الاجتماعية والثقافية والسياسية، وانطبع في تركيب هويتها القومية وذاكرتها التاريخية والأيديولوجية ولكن ظل غائباً إلا من سيرة ضبابية قبعت في ذاكرة الصحافة العربية ومؤرخي الشخصيات الثقافية مبنية على توصيفات أخلاقية حكمتها الأخيلة والشهوات مقابل هواجس عائلتها في تنظيف الذاكرة وعزل الذكرى ذاتها. ..لا يستغرب أنه لا يقبل الجمهور على سير شخصيات غدت منسية ولا علاقة لها في ذاكرة الصورة بكل ما وفرته التقنيات سوى بعض أفلام سينمائية بالأبيض والأسود فيما تحفظ العروض الغنائية في مسارح قبل مجيء زمن الأغنية المصورة التي لم تكن تبني تاريخاً متواصلاً قبل تطور تقنية تصوير الأغنية الآن. ..ربما كشفت تقنية الأغنية المصورة في عصرنا من تأجُّج تلك الحالة بين الفن في شخوصه والتلقي في جمهوره لكون الأغنية المصورة تتحول عبر الشاشات التلفزيونية إلى "منتج صناعي وتجاري تلبس مسوحاً ثقافياً أو تتخذ أشكالاً ثقافية" (Shuker,Understanding Popular Music,1994). ..وعلى هذا، فإنه لم تعد صورة الفنان حالة بسيطة تبدأ بالشاعر منشداً ولا الراقصة مترحلة، وتبدل العلائق في العزف والتمثيل والإخراج والتسجيل، وتداخل الوظائف في الغناء والرقص والتمثيل من حيث استقلت ولم تعد تقبل بالتداخل إلا بضمانات يتقي الكثير من الفنانين والفنانات الوقوع في مطباتها. ..تكشف صناعات الفنون والآداب عن تلك الصور الثقافية حيال الجسد في المغنية قبل حنجرتها وأدائها الصوتي، والممثلة قبل تمثيلها وتصويرها وتقمصها، والراقصة قبل مهارات الحركة من الشدة والليونة، وهذا يمشي على صورة الفنان مثل الفنانة - إذا تمثَّلنا عين المشاهد والمشاهدة كذلك المستمع والمستمعة وجناسها المستمتع والمستمتعة- وما تحققه من بناء خيالي في ذهن الجمهور ومشاركة الفنانين والفنانات في إعلانات السلع التجارية بما يخص أولويات الجسد والزينة، وكماليات المنزل والرفاه بما يؤكد من توظيف صورة الجسد صوتاً ووجهاً وجسداً، وربما تكشف تطورات المسؤولية الشخصية حيال الجسد بمفاهيم القيمة والأخلاق بوصف الجسد "حامل حياة " فكيف بكونه جسد فنان أو فنانة فهو يحمل ثقافة وطنية أو قومية (Shilling,The Body and Social Theory,2003). ..برغم التطور الذي طال صورة الفنان في العالم العربي ونقلها مثلما كانت التغيرات تنقل المجتمع وتعيد صياغة طبقاته وفئاته في كل فروع وحقول ومجالات الحياة من توفر الحدود الدنيا والقصوى لأساسيات الصحة والتعليم إلى تباين مفهوم المواطنة والمشاركة السياسية وصلاحية الأنظمة واختلال (أو توازن-كما نتمنى ولا يكون) القوى الوطنية في نخبها السياسية وجماعاتها (وليس أحزابها) الأيديولوجية إزاء أدوار قائمة (وربما معطلة) للنخب الاجتماعية والثقافية بما فيها الاتجاهات والحركات الفنية والأدبية. إلا أن صورة الفنان تتحكم فيها تطور مفهوم النزعة الجمالية والإنسانية أو تطور المفاهيم الأخلاقية والقيمية في النظرة إلى ما يمثله الجمال والحب والحرية والعدل والمساواة ضمن دائرة غير قاطعة من الحقوق والواجبات.