لم تروّ شهرزاد لشهريار قصة منتظر الزيدي حين قذف حذاءه بوجه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش .. شهرزاد تلك الجارية العراقية الأصل بطلة روايات ألف ليلة وليلة .. لم تسمع بمنتظر الزيدي .. ولم تعرف بأن العراق الذي كان جنة غناء سيتحول الى خرابة جرداء ، وأرض قاحلة .. بفضل أمثال صدام حسين من الحكام الذين نهبوا ثروات البلاد وأذاقوا العباد ويلات شرورهم. كانت شهرزاد تبحث عن الحيلة تلو الحيلة لتلهي بها سيدها شهريار الملك الذي اعتاد أن يتزوج كل ليلة جارية عذراء ثم يقتلها انتقاما من بنات حواء جراء الخيانة التي تعرض لها من زوجته التي أحبها لكنها غدرت به .. احتالت شهرزاد بذكائها وحسن تدبيرها بسرد الحكايات الطوال على شهريار حتى يغالبه النعاس فينام منتظرا استكمال الحكاية في اليوم الثاني. لو قدر لشهرزاد أن تعيش في العراق الآن لوجدت أن ما كانت ترويه لملكها من قصص وحكايات لا تعد شيئا مذهلا بما يحدث في العراق كل يوم .. هناك حكاية مأساوية تولد كل يوم في العراق .. هناك كارثة بشرية تسقط على رؤوس العراقيين كل صباح .. هناك وطن كان ذات يوم منبعا للجمال والابداع والفنون والعلم والحضارة .. العراق الذي كان ذات يوم أرضا للحكماء والعلماء والمبدعين .. صار اليوم ملاذا للارهاربيين والخارجين والمجرمين .. كيف بالله عليكم يمكن لشهرزاد أن تصف العراق الآن لسيدها؟ كيف يمكن أن يصل العراق الذي عرف أول شريعة في التاريخ، وأول تشريع مدني الى هذه الفوضى العارمة .. في العام 1975 قبل الميلاد ، كان العراق عبارة عن دويلات منقسمة تتنازع السلطة فيما بينها .. استطاع حاكم بابل حمورابي أن يوحد تلك الدويلات مكونا امبراطورية كبرى ضمت العراق والمدن القريبة منه وبلاد الشام .. وتمكن حمورابي الذي اشتهر بقدراته العسكرية والادارية والتنظيمية ، من أن يضع شريعة دنيوية ، وقانونا ينظم به الحياة الادارية والمعاملات في الامبراطورية عرفت ب (شريعة حمورابي) والتي تعتبر اقدم وأشمل القوانين التي عرفتها البشرية .. نحت حمورابي شريعته على مسلة كي تبقى خالدة ومعلومة .. ولا زالت تلك المسلة الشهيرة خالدة الى يومنا هذا محفوظة في متحف اللوفر في باريس. اشتملت شريعة حمورابي على 282 قانونا ينظم مختلف نواحي الحياة بمنتهى الدقة ، يحدد واجبات الأفراد وحقوقهم في المجتمع ، كل حسب وظيفته ومسؤوليته ، تعتبر شريعة حمورابي هي الشريعة الأولى في تاريخ البشرية من حيث التكامل والشمولية لكل نواحي الحياة . لم يعد في العراق أثر لشريعة حمورابي ولا لروايات شهرزاد .. أصبحت هناك شريعة القوة والغدر والقتل والارهاب .. وصارت هناك روايات عن الموت والقتل والمآسي .. هذا ما وصل اليه العراق اليوم. لم تعد هناك في العراق قصص للحب .. لن نقرأ اشعارا في الحب والوجد من العراق مثل ما قاله ابونواس والمتنبي .. نقرأ أخبار الموت والارهاب والانفجارات في العراق .. لم يعد العراق .. منبعا للابداع والمحبة .. بقدر ما أصبح أرضا للخوف والموت والارهاب. لقد شهد العراق حضارات عديدة ومتتالية ، أثرت الأرض وأثرت في الدنيا .. بدءا من مستوطنات أيريدوا وأوروك في العام 6000 قبل الميلاد ، ومرورا بحضارات كان لها شأن وهيبة مثل حضارات البابليين والورانيين والآشوريين ، وانتهاء بالحضارة الاسلامية والدولة العباسية التي اتخذت من بغداد عاصمة لها. ستصمت شهرزاد .. ستفضل الموت على يد سيدها على أن تروي ما يحدث من مآس في العراق .. لن تستطيع مهما بلغت فصاحتها .. وعنان خيالها أن تصف ما يحدث في العراق اليوم .. لن تستطيع .. وستتوقف شهرزاد عن الكلام المباح .. ولن يظهر عليها صباح .. ودمتم سالمين. * الأمين العام للملتقى الإعلامي العربي