خرجت (شهرزاد) عن طورها بعد ألف ليلة وليلة وقالت (لشهريار): - حتى بدواعي الحب، أرفض (الاقتحام) يا سيدي.! بسيطة هذه الجزيرة الصغيرة التي هي (أنا)، لكنَّها لا ترحِّب أبداً بالمحتلين.. بمن فيهم ذلك الذي يعدنا بالحرية.. حريَّة.. بليّ (الذراع).! إنَّها حريَّة (الحديد والنار).. ويا لها من (حريَّة).! - لكنني أحبك يا شهرزاد.. - حب بالحديد والنار.. - "كل نار تصبح رماد مهما تقيد إلا نار الشوق في يوم عن يوم تزيد".. يا شهرزاد.. - شوق لأي شيء؟! لا أعرف.. لكنني أعرف أن أغبى الطيور لا يحلم (بالقفص). - تسمينه قفصاً؟.! إنه القصر يا بطرانة.! - هو في النهاية (قفص).. القصر يحجبني عن "النهر" و"البحر".. - ترفضين القصر يا وجه الفقر؟! - فقر بلا (أسءر) هو الغنى.. ألم تسمع جدنا الطائي: "شربنا بكأس الفقر يوماً وبالغنى وما منهما إلاّ سقانا به الدهرُ فما زادنا بغياً على ذي قرابة غنانا، ولا أزرى بأحسابنا الفقرُ - كلام روايات.. مثل تلك الحكايات التي تضحكين بها عليّ.. ألف ليلة وليلة مضت، وها أنت تتركينني.. هانت عليك العشرة يا شهرزاد.! - بل هانت عليّ نفسي ألف ليلة وليلة يا سيدي.. فقد توهمت أن القصر يمكن أن يكون بديلاً عن النهر والبحر.! أرجوك، لا تفهمني (غلط) يا صاحب الأقفاص.. أنا أحترم (القفص الذهبي) لكن اعترض على (الاسم).! والآن.. أمهلني بعض الوقت (أبلع ريقي) إن بقي لي ريق أو رحيق.! آسفة يا سيدي.. فقد نمت البارحة على جنبي الشمال.. أحلم بالجبال والتلال.. والنهر والبحر.. ربما أنني بحاجة إلى قدر من الهواء أكبر من حجم رئتيَّ.! إنها تتمددان الآن حتى تكادا تمزقان (القفص الصدري) قفصي أنا، في صدري أنا، لكنني ما عدت أحبه لأنه في النهاية (قفص).! وغفت شهرزاد.. زاد الضغط.. وانخفض السكَّر والشاهي.. صاح شهريار بالوصيفة: - "اجري يا بنت.. ازهمي الحكيم بسرعة".! وارتعدت الوصيفة: "أمرك يا سيدي".! نظر شهريار بحزن عميق إلى شهرزاد الغافية ثم سرح بنظره عبر النافذة الكبيرة المطلة على التلال.. والجبال.. والنهر.. والبحر.. وأطرق ملياً وقال وهو يتأمل وجه شهرزاد المتورِّد: - لا عليك يا صغيرتي.. اطمئني.. نامي قريرة العين..أنا سأتدبَّر الأمر على عجل.. وأمر مدير الأشغال بإزالة التلال والجبال.. وردم النهر والبحر.!