اكتست ليلة أمس برداء الحب والجمال وبمشاعر الاحتفاء بملكٍ ووطن، مع أوبريت «وطن الشموس» الذي انطلق برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - في ليلة افتتاح مهرجان الجنادرية 24. كانت أمسية جميلة أينعت فيها لمسات الأمير متعب بن عبدالله، وتألق فيها البدر مع عبدالرب إدريس، وخرجت النتيجة أمام ملك الإنسانية وجمهور الجنادرية عملاً كاملاً في معناه ومبناه وبشكل يبعث على الفخر سواء للمشاركين فيه: محمد عبده، عبدالمجيد عبدالله، راشد الماجد، عباس إبراهيم، راشد الشمراني وحسن عسيري أو للجمهور السعودي الذي أسعده أن يخرج من قلب الجنادرية عمل وطني بلغ حداً كبيراً من الإتقان والتميز. ثيمة الأوبريت الرئيسية كانت الكلمة التاريخية التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين في المؤتمر الاقتصادي بالكويت والتي تم عرضها في اللوحات الأخيرة من الأوبريت، لكنها تشكل العصب الرئيسي للمعنى العام الذي يسعى لتقديمه منذ بدايته وحتى نهايته، حيث يقدم معنى واضحاً ومحدداً هي رغبة الانطلاق نحو المستقبل بروح وثابة تتجاوز الماضي والأعداء و«خفافيش الظلام» وتسعى للتميز في كل مجالات الحياة. ولوحات الأوبريت ترسم هذا المعنى بوضوح من خلال المسار الذي أداه بتميز الفنان راشد الشمراني في رحلته التاريخية من الماضي إلى الحاضر يحيط به الراقصون الذين يرتدون اللون الأسود ويحاصرونه يريدون إغواءه والحيلولة بينه وبين النور والجمال والحب والمستقبل الوضاء. لكنه ينتصر في النهاية ويصل إلى غايته الجميلة.. إلى وطنه الجميل.. المملكة العربية السعودية في عهد ملك الإنسانية. المميز في أوبريت «وطن الشموس» وضوح المعنى وتطويع كل صوت ونغمة وحركة لخدمة هذا المعنى، وهنا لابد من الإشادة بكلمات الأمير بدر بن عبدالمحسن وبألحان د. عبدالرب إدريس التي وظفت اللحن في خدمة المعنى مع اهتمام بالناحية الجمالية للموسيقى، وقد اتضح هذا الحس الجمالي في مشهد الطفل الصغير مع مقطع «نام يا صغيري نام» الذي كان قطعة فنية خالصة تستحق أن تكون «دالة» من دوالِ تميز الأوبريت. أوبريت «وطن الشموس» أكد على الرؤية المميزة للأمير متعب بن عبدالله وحسن اختياره للعناصر المشاركة التي جاءت في محلها تماماً دون أي نشاز في تناغم جميل بلغ ذروته في الخاتمة الجميلة التي جاءت بصوت البدر في ختام هو كالمسك. والكلمة التي تختصر ما عرض أمس على مسرح الجنادرية هي «النضج»، نضج الرؤية، ونضج الفن، ونضج أوبريت الجنادرية ووصوله إلى مرتبة الكمال ومستوى الفهم الحقيقي لفن الأوبريت الذي لم يعد أغنية فقط بل هو فيلم كامل تتماهى فيه الصورة جنباً إلى جنب مع القصة والموسيقى والشعر والغناء. وليس غريباً أن تكون النتيجة عملاً جميلاً مثل «وطن الشموس» لأنه بني أساساً على مبدأ الحب، ولغاية جليلة هي الاحتفاء والتقدير، حب الملك الإنسان خادم الحرمين الشريفين، والاحتفاء والتقدير لمواقفه الإنسانية العظيمة، ولروحه المتطلعة إلى مستقبل مشرق للإنسان في كل مكان، والتي يبثها في أبنائه المواطنين مع كل خطوة يخطوها للأمام. وإذا كان الحب دافع صناع أوبريت «وطن الشموس» والتقدير محركهم فإن النتيجة الطبيعية هي ما شاهده الجمهور ليلة أمس من جمال يستحق الثناء والفخر، أبطاله متعب والبدر ونجوم الفن السعودي.