لا أخفي متابعتي للكاتب عبدالله بن بخيت في أطروحاته المتعددة والتي تناقش عدداً من القضايا المهمة، ولكن وودت هذه المرة أن أنفتق بردي للمشاركة به في صحيفة «الرياض»، وذلك على موضوع مهم هو «مشكلة عقل لا سينما». جذبتني جملة ذكرها الكاتب بتملل، إزاء كثرة المرات التي سمعها، وهي أن أي أداة جديدة يمكن أن تستخدم في الخير والشر؟ وهي حقيقة مسلم بها في كل العلوم، حتى أن نوبل ندم عندما لُج بابتكاره إلى ساحات التدمير وبراثن الخراب، وأوافقه على هذا المبدأ الذي يجب أن نؤمن به. إلا أن السينما لا نحورها إلى أداة كالأدوات الأخرى، بل هي صناعة يمكن استثمارها فعلياً، لكن من المؤسف إلى الآن لم نر صناعة حقيقية للخير، أو لتجسيد ثقافة تعليمية ومجتمعية صالحة تنشر في دور السينما. من يشاهد تلك الصالات يرى فيها غالباً تلك التجاوزات الأخلاقية التي يحجب عنها البعض عيناه وذلك عندما يطُعم الفيلم بمشاهد ساخنة، حتى وإن كان العرض السينمائي تاريخياً أو عسكرياً أو خيالياً. لازلت أذكر ذلك الخبر الذي ذكرته الصحف المحلية عندما غادرت عشرات الأسر السعودية والخليجية مسرحية أقيمت في البحرين، وليست سينما للمُمثل عادل إمام، وذلك بسبب تركيز مسرحيته على الايحاءات الجنسية!! لاتزال المطالبات تجاه إنشاء دور للسينما كالمطالبة بقبض أسعار الثمر قبل بداية الزرع، فإلى الآن لم نر صناعة سعودية للأفلام السينمائية الواعية وذات الإخراج المحترف، والتي تكون حبلى بالقصة الشيقة، ويكون من ضمن أهدافها احترام عقل المشاهد. وإلى الآن لم نر جمعيات حقيقية تهتم بأخلاقيات المجتمع وبحمايتها مكونة من مثقفين وعلماء مهمتهم ضخ نشاطات تثقيفية عبر الأفلام والمسلسلات لتكون رافداً توعوياً، سواء كان ذلك في التلفاز أمام الأسرة أو في صالات سينمائية. بالنسبة للصراع الذي ذكره الكاتب ليس كالماضي، فأجدادنا رحمهم الله ولا نريد ذكرهم إلا بالخير، ربما كانوا أعداء ما يجهلون وتلك طبيعة بشرية، ولم يجدوا من يبين لهم تلك التقنيات المعقدة في عصرهم وربما لو كنت في عصرهم يا أخ عبدالله لو وقفت في ركبهم، ولكن جيلنا الحالي يعرف ماهية الكثير، ويستطيع التمييز، لأنه سبر أغوار غالبية الأمور في داخل المملكة وخارجها، واستطاع أن يعي الصواب، ولكل عقله الذي يميز به بين الأفضل والأسوأ بعد فهمه وإدراكه لواقع الأمور، والسينما كما قلت ليست مهمة ولكن أخالفك بأنني أقول أننا نحتاج لفعل الأهم.. وأختم بما قال المفكر الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله - وجدت الأمم اللاتينية أكثر براعة في الفن، وأقل تقدماً في العلم، وأسرع هزيمة في الحرب، ووجدت الأمم السكندنافية والسكسونية أقل براعة في الفن، وأكثر تقدماً في العلم، وأشد استعصاء على الهزيمة في الحرب، فهل يريد الذين يشجِّعون فينا الفن على حساب العلم، أن ننهزم في الحرب. ونتأخر في استكمال وسائل القوة؟.