ستواجه الحكومة اليمينية المتطرفة التي ستقوم في إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو، تحديات داخلية وخارجية منذ بداية تكوينها، والرأي السائد للمراقبين أنه سيكون من الصعب على هذه الحكومة أن تحقق أيا من أهدافها، بسبب التناقضات الموجودة لدى أحزاب الائتلاف في الأمور الداخلية. أما بالنسبة للسياسة الخارجية خصوصا المتعلقة بالقضية الفلسطينية فالفرق بينها ضئيل جدا. وهناك تحديان أساسيان سيواجههما نتنياهو في أول الطريق. التحدي الأول سيكون على الوزارات الرئيسية ومن سيستلمها. حزب «إسرائيل بيتنا» الذي يتزعمه أفيغدور ليبرمان، وهو علماني في تفكيره، يريد أن يحصل على الأقل على وزارتين رئيسيتين يستطيع من خلالهما تطبيق أفكاره، على غرار وزارة المالية ووزارة العدل ويتطلع الى وزارة الدفاع والخارجية. ويطالب ليبرمان بسن قانون «الزواج المدني والاعتراف بالزواج المختلط، حيث إن الكثيرين من المهاجرين الذي جاءوا من روسيا ودول الاتحاد السوفياتي سابقاً والذين صوتوا له متزوجون زواجاً مدنياً أو زواجاً مختلطاً، وحسب القانون الإسرائيلي المبني على البعد الديني فهذا غير مقبول. كما أن هناك اختلافا مع الأحزاب المتدينة حول المحاكم الدينية، ويطالب بتغيير نظام الانتخابات، وهذا يحدد قوة الأحزاب الدينية أيضا. كما أن مطلبه بسن قانون «الإخلاص للدولة» لا يصيب عرب 48 فحسب، بل شريحة كاملة من اليهود المتدينين الذين لا يخدمون الجندية أو الذين يتهربون من هذه الخدمة. موقف ليبرمان هذا مرفوض كلياً من جانب حزب «شاس» المتدين، والمشارك في الائتلاف الحكومي. فقبول أي من القوانين التي يريدها ليبرمان معناه تحول أساسي في بناء الدولة اليهودية و«قصقصة أجنحة» الأحزاب الدينية. فالأحزاب الدينية ترفض رفضاً كاملاً الزواج المدني، وترفض تقليص قوة المحاكم الدينية. ويطالب حزب «شاس» بوزارتي الداخلية والأديان، وبميزانية خاصة للمدارس الدينية. وبالنسبة لوزارة الداخلية فإن وجودها بأيدي حزب «شاس» معناه عدم قبول أي زواج مدني أو زواج مختلط، ويكون هناك فحص دقيق بخلفية كل مهاجر يهودي إلى إسرائيل للتأكد من يهوديته. ولكن الصراع سيزداد حدة إذا ما نجح نتنياهو بإقناع حزب «كاديما» بالمشاركة في حكومته. فتسيبي ليفني لديها موقف مرفوض من أغلبية الأحزاب اليمينية والمتعلق بمبدأ قيام دولتين. ولكن بموافقة «كاديما» الانضمام إلى حكومة نتنياهو، فسيكون في استطاعته الاستغناء عن ليبرمان وشاس. ولكن سيواجه معارضة من ناخبيه إذا قبل موقف «كاديما» في ما يتعلق بالحل مع الفلسطينيين. فهذا هو الصراع الذي سيواجهه نتنياهو داخل ائتلافه الحكومي، وفي نفس الوقت لا يستطيع الاستغناء عن أي من الحزبين (في حالة رفض كاديما الانضمام) وإلا سقطت حكومته. فليبرمان لديه 15 عضواً في الكنيست، وشاس لديها 11 عضواً. فإذا انسحب أي من الحزبين من الائتلاف، لن يكون لدى الحكومة أكثرية برلمانية (61 عضواً) وبالتالي ستسقط. والتحدي الثاني الذي سيواجهه نتنياهو سيكون في سياسته الخارجية. فموقفه المعارض لقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، يتناقض مع الموقف الدولي عامة، ومع موقف إدارة الرئيس باراك أوباما. فعلى إثر الإعلان عن تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة الإسرائىلية الجديدة، سارعت إدارة أوباما بالإعلان رسمياً، على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جوردون دوغيد (20/2/2009) عن أنها: «ستعمل مع أية حكومة تقوم في إسرائيل وأن موقف الإدارة بشأن الوصول إلى سلام في منطقة الشرق الأوسط لم يتغير وستعمل على حل (الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي) عن طريق إقامة دولتين. كما يتناقض موقف إدارة أوباما مع أول إعلان لنتنياهو بعد أن طُلب منه أن يشكل الحكومة الجديدة، حيث قال ان التحديات التي تواجهها حكومته متعلقة بسورية وإيران وحزب الله، في الوقت الذي يعرف فيه نتنياهو أن وفوداً أمريكية تتدفق على سورية من بينها وفد رفيع المستوى برئاسة عضو مجلس الشيوخ جون كيري، حيث اجتمع إلى الرئيس بشار الأسد.. كما أن هناك خطوات متقدمة في الحوار بين أمريكا وإيران، وأن السيناتور كيري حمل رسالة من قادة «حماس» إلى الرئىس أوباما. وهذا يدل على أن الأمور تسير في نهج يختلف عن نهج نتنياهو وحكومته. كما أن الدول الأوروبية مقتنعة أنه قد حان الوقت لحل النزاع في الشرق الأوسط حلاً يقبله الطرف العربي، ولم تسقط من حسابها المبادرة العربية التي يعتبرها أوباما أساساً لحل النزاع، وأكد السيناتور كيري في أعقاب لقائه بالرئيس الأسد أن: (من الخطأ اعتبار أن المبادرة العربية قد ماتت»)، ولكن حكومة نتنياهو لن تقبل بهذه المبادرة. ويبدو أن إسرائىل لن تغامر بشن هجوم جوي على المنشآت النووية الإيرانية بدون غطاء سياسي وعسكري أمريكي، ولكن أمريكا الآن غير معنية بمثل هذه الخطوة. فالسبيل الوحيد أمام أوباما هو وضع النقاط على الحروف مع حكومة نتنياهو ومع أية حكومة إسرائيلية أخرى ترفض الوصول إلى حل عادل في المنطقة. فموقف أوباما قوي ولأسباب كثيرة.. في مقدمة هذه الأسباب هو أن موقف اللوبي الإسرائىلي والقيادات اليهودية الأمريكية ضعف بسبب العدوان على غزة وما نجم عنه من مجازر هزت المجتمع العالمي. كما أن هذا اللوبي وتلك القيادات لا يستطيعان تبني موقف حكومة نتنياهو والتي ستصطدم حتماً مع إدارة أوباما. فأوباما ليس مديناً ليهود وصهاينة أمريكا بشيء.. فقد حصل على أموال ضخمة لتغطية حملته الانتخابية من تبرعات شعبية. كما انه لم يكن بحاجة لأصوات اليهود الأمريكيين لكي يفوز في الانتخابات. فقد دعمته أصوات السود والهسبانك (الذين أتوا من دول تتحدث الاسبانية) ونسبة كبيرة من الطبقة الوسطى والعاملة البيضاء وهؤلاء يشكلون الأغلبية في الولاياتالمتحدة. فهو متحرر إذن من هذه الضغوط، ويستطيع أن يقيّم الأمور بمنظار المصالح الأمريكية قبل كل شيء.. إضافة إلى أنه يتمتع بشعبية عالية محلياً وعالمياً ويستطيع أن يحصل على دعم في الخطوات التي يتخذها. ولكي يدخل باراك أوباما التاريخ من بابه الواسع، فإن عليه أن يبرهن مقدرته على حل الأزمات واتخاذ المواقف المبدئية، وعلى جميع الجبهات. فصحيح أنه دخل التاريخ عن طريق انتخابه كأول رئيس أسود للولايات المتحدة، ولكن هذا لن يضعه في مصاف كبار الرؤساء الأمريكيين، بل إن إنجازاته هي التي تضعه في تلك المصاف.