من زمان، كان أهلنا في بيت (الحكمة الشعبية) يقولون: بلسانهم اللي ينقِّط عسل: (لا تبكي على من مات.. ابكي على من خف عقله)! أوردت المثل بفصِّه ونصِّه.. بلا حذف ولا تصريف.. ولا تعديل ولا تبديل، لنلتقط (الحكمة) من سليقة إنسانها البسيط، بلا ترفّع ولا أستاذية، فنحن لانزال بكل وعينا (طلاّب علم) قمنا أو قعدنا! ومن الغواية أن يعتدَّ عاقل بعقله، ويدَّعي أنَّ لديه حصانة من (الجنون)، في هذا الزمن الذي انفرط فيه عقال الأحوال، وأصبح الناس يئنّون تحت وطأة سُعار الرغبة المحمومة.. يطاردون عقارب الساعة، يلفُّون ويدورون دوران الذئب الأسير، الذي لا يقر ولا يهدأ مهما طال أسره.. وأعود إلى (الجنون) الذي أخذ في هذا الزمان أشكالاً وألواناً.. وتفشَّى في سائر الأقطار والأمصار.. وما عاد أي باحث أو عالم في العالم يمكن معه أن يدَّعي خلو بلد من مرض كما تفعل بيانات وزارات الصحة العربية، في الأمراض المحجرية والكورنتينية! ومهما تفتق المختبِرون ومختبراتهم فإنهم لم يكتشفوا بعد مصلاً يقي من (الجنون)! (طبعاً) سمعتم وقرأتم عن طبيبين (متعاقدين) في الصحة النفسية جُن جنونهما في أسبوع واحد بمستشفى (شهار) وأنا لا أقول باحتمال أنَّهما من خريجي (العصفورية) أو (السرايا الصَّفرا)، ولا أتهم اللجنة بالتعاقد مع (طبيب يداوي الناس وهو عليل).. لكنني أقول (اللي بلاهم يشفيهم)، فلعل هذا الطبيب أو ذاك ترك أهله وتغرَّب لينفق عليهم، أو هرب من ظروفه الحرجة (غُربة وكُربة.. وهَم للركبة)، فخالط مرضاه، وحدث ما لا تحمد عقباه، ولا يُعرف مبدأه ومنتهاه، والأمر يومئذ لله. أنا (والله) لا أسخر، لكنني أنبِّه القوم إلى أن المخالطة قد تنقل العدوى.. وأقول لمعالي وزير الصحة الجديد - وفقه الله - إن المخاطر المهنية تنطبق - بشدَّة - على مهنة (الصحة النفسية)، بل هي أضر وأخطر، وحقهم في ذلك واضح وبيِّن بلا مراء ولا جدال.. ويعلم الله أن ليس لي أي قريب أحابيه أو أقاسمه أتعابه، أو أرجو منه جزاءً أو شكوراً، وإنّما هو الحق والعدل لهؤلاء الذين استأمنَّاهم، وعهدنا إليهم بالمهمة الصعبة - والحمد لله - الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من خلقه.