نتابع باهتمام بعض الأخبار والأحداث التي تواجه بعض الشركات العالمية وخصوصا تلك المتعلقة بفشل مدراء هذه الشركات في تحقيق الأهداف التي من أجلها تم تعيينهم. ومدى تأثير هذا الفشل على قيمة الشركات في البورصات العالمية التي يتم فيها تداول أسهم تلك الشركات حيث يصل الأمر إلى تدهور كامل لحال الشركة لهذا السبب. ونتابع باهتمام التراجعات الحادة في قيمة أسهم الشركات المساهمة بسبب إقالة مديرها أو استقالته. وكان آخر تلك المشاهد إقالة المديرة التنفيذية لشركة هيولت باكارد والتي كانت حديث الإعلام الغربي الاقتصادي خلال الفترة الماضية، وبدون الخوض في تفاصيل وأسباب الإعفاء من المنصب، أود التركيز على عدد من الأمور ذات الأهمية للشركات المساهمة في هذا الخصوص. تتميز الشركات المساهمة العالمية بأسماء المدراء الذين يديرونها ويعتبرون المحرك (Engine) الرئيسي للشركة. وأذكر في العام 2000م في بريطانيا أن أسهم مارك أند سبنسر تراجعت بشكل حاد بسبب أن المدير التنفيذي للشركة فشل بعد أن أُعطي المدة الكافية لإعادة هيكلة الشركة وظل حديث الإعلام لمدة طويلة حتى تم الإعلان عن تعيين مدير تنفيذي جديد فرنسي الجنسية حيث تضاربت الآراء حول كيفية قيادة شركة بريطانية من قبل شخص يحمل الجنسية الفرنسية ولأول مرة في تاريخ الشركة، ولكن الكفاءة كانت المعيار ولا شي آخر. وموضوع تعيين مدير تنفيذي أو مدير عام شغل الإعلام البريطاني بسبب الحرص على مستقبل الشركة وتقديم الرؤية الواضحة للمساهمين خصوصا أنها من الشركات الكبيرة في أوروبا وليس بريطانيا وحدها، وبمجرد إعلان اسم مدير تنفيذي تجد أن سهم تلك الشركة يسجل نموا أو تراجعا حسب ترحيب السوق بهذا الشخص الذي سوف يدير الشركة من خلال معرفة السوق بالسيرة الذاتية للمرشح، حيث لدى السوق الكفاءة لتقييمه المهني وليس الشخصي. والنقطة التي أود التركيز عليها هي أن للمدراء الذين يقودون الشركات المساهمة دور كبير في نجاح أو فشل تلك الشركات وبالتالي يجب أن يكون السوق على إطلاع وبشفافية كاملة على السير الذاتية لهؤلاء المدراء حتى يمكن استشفاف مستقبل الشركة. والسؤال هو كم مدير شركة مساهمة سعودية معروف للمستثمرين في السوق المالي السعودي ومعروف تاريخهم المهني؟ ومعروفة هي توجهاتهم الإدارية والمهنية والطريقة التي يديرون بها شركاتنا المساهمة؟ أكاد أجزم أن نسبا كبيرة لا تعرف أسماء هؤلاء المدراء إذا ما استثنينا بعض الشركات القيادية وليس كلها، وإذا ما عرفت أسماؤهم جُهل تاريخهم المهني. والسؤال الثاني لماذا لا يوجد تأثير لهؤلاء المدراء على أسعار أسهم شركاتهم؟ ألا توجد كاريزما لهؤلاء المدراء؟ إن التغييب الكامل من قبل الإعلام - وهنا لا أقصد الأخبار الشخصية أو أخبار السفريات المتعددة- لما يجرى داخل تلك الشركات وطريقة إدارتها بسبب غياب الإعلام المتخصص وعدم التحدث بشكل متكرر عن إستراتيجيات وخطط هؤلاء المدراء وهل هناك انحرافات عن تلك الإستراتيجيات والخطط هو السبب المباشر في غياب تأثير المدراء على أسعار الأسهم للشركات التي يديرونها. وما اقصده بالتأثير هنا انعكاس نتائج الإدارة على قيمة السهم سواء انعكاس إيجابي أو سلبي. والسؤال الثالث هنا من يختار مدراء الشركات؟ ومن يحاسبهم على نتائج أعمالهم خلال فترة إدارة تلك الشركات؟ طبعا إداريا وقانونيا هي مسؤولية مجلس إدارة تلك الشركات والجمعيات العمومية. ولكن أين دور المساهمين والإعلام في محاسبة هؤلاء أو مكافأتهم؟ بكل أسف لا يوجد على الإطلاق دور وهو الأمر الذي يساعد بلا شك في الانحراف عن الأهداف والخطط هذا إذا كان هناك أصلا تخطيط. وهنا أؤكد أنني لست مع فكرة أن يكون هناك جهات رسمية تبارك التعيين ولكن يجب أن تترك لآليات السوق والتي تتمثل في المساهمين من خلال الجمعيات العمومية والإعلام المتخصص الفاحص. ولكن ما هو الحل الآن إذا لم يكن هناك دور للجمعيات العمومية وليس لدينا إعلام متخصص؟ من سوف يختار المدراء التنفيذيين للشركات المساهمة؟ والنقطة التي تجدر الإشارة إليها هنا أننا نتحدث من منصب المدير التنفيذي وليس شخص المدير، ونجاحه أو فشله هو نجاح أو فشل في منصب ولا يمتد إلى شخص هذا المدير أو ذاك. وقبل كتابة هذا المقال تحدثت مع عدد من الزملاء لاستقصاء آرائهم الشخصية حول الموضوع ووجدت الكثير منهم يلفت انتباهي إلى أنه موضوع حساس وقد يكون فيه تهجم على أشخاص بعينهم. ولكن أؤكد على أننا نتحدث هنا عن منصب مدراء الشركات المساهمة التي تعتبر شركات عامة يجب الحرص من قبل الجميع على أن لا يشغله إلا الكفاءات التي لها سيرة ذاتية توضح بجلاء أنهم قادرون على إدارة شركات تقدر قيمتها بمئات الملايين وفي أحيان بآلاف الملايين. وبنظرة عامة على حال بعض الشركات المساهمة والتي سبق وأن تحدثنا عنها في كتابات سابقة كثيرة يتضح الخلل بجلاء لكل ذي بصر وبصيرة. والمطالبة أن يتم تفعيل دور الجمعيات العمومية ومن خلال مشاركة أكبر للمساهمين وكذلك حث الإعلام الاقتصادي المتخصص على أن يكون له دور فاعل ومؤثر من خلال تقديم المعلومات الصحيحة والدقيقة بعيداً عن الابتزاز والمصالح الضيقة. ٭ محلل مالي