عادة ما يؤكد لنا الفنان طلال مداح بافضلية اعماله حتى بعد انقطاعه عن الساحة. الحديث هنا عن ألبوم (مرت) الذي واصل تصدره في مبيعات سوق الكاسيت بشكل كبير نظراً لما ضمه من الأصالة في التراث والقوالب الموسيقية الطربية. وقد ضم هذا الألبوم خمسة أعمال من التراث منها (يالله) و(عيون النرجسي) وكذلك (علشانه) وأيضاً (ظبي اليمن). وفي اعتقادي انها الطريقة المثلى لتثبيت وتأكيد هذه الأعمال إعلامياً وتعريفها على المستوى العربي نظراً لمكانته وهو ما ابدع في إثراء الساحة الغنائية كثيراً. أغنية (مرت) كانت توهجاً وانطلاقاً للكاسيت مع الشاعر الأمير محمد العبدالله الفيصل الذي كان له الدور الأكبر في النقلة الكبرى للاغنية المحلية وبروزها عبر الساحة العربية. وقد شارك طلال كثيراً منها أغنية (مقادير) و(اغراب) و(أنا راجع اشوفك) وأيضاً (اشتكيك للقمر) واستمرار (مشوار الحياة) و(لا وعد) والكثير من تواصلهما الإبداعي كان ثماره (مرت) ذات التنوع في النغم والإيقاع بمشاركة الملحن سامي إحسان في التفعيلة الموسيقية وابرازها كما يجب متفاعلاً مع الزمن والجرس الموسيقي وفي اعتقادي أن هذا العمل لا يقدمه إلا طلال وذلك لطول النسم والتعريب والاحتكام بالزمن وعدم الخروج منه. مرت ولا حتى تلتفت.. مرت مرت وعن عيني اختفت.. مرت ما كنها في يوم ضحكت لي ولا كنها في يوم عرفتني الله يا مبدل الأحوال كيف الوفا من طبعها زال.. أما الأغنية التالية فهي للتأكيد على استمرارية التعاون بين الأمير بدر بن عبدالمحسن وطلال مداح في تطوير الأغنية وتقديمها بإحساس رائع وشفاف. (يا طفلة تحت المطر) لم تكن إلا واحدة من الإبداعات الخالدة بين الطرفين فقد قدما الروائع المتتالية منها (الله يرد خطاك) و(سيدي قم) و(لو حبيت النجمة نهر) وأيضاً (نام الطريق) وكذلك (زمان الصمت) و(جمرة غضى والموعد الثاني) يا طفلة تحت المطر كانت لعبة موسيقية عذبة لا يفك رموزها إلا العارفون ببواطن الموسيقى الشرقية. يا طفلة تحت المطر تركض واتبعها بنظر تركض تبي الباب البعيد تضحك على الثوب الجديد.. وابتل الشعر.. (صفالي حبيبي اليوم) أغنية لم تكن كغيرها بل إن التعاون المثمر مع طلال اوجد الانفعال في النغم المعبر المتحرك خلف الإيقاع الراقص.. ولو لاحظنا سرعة البديهة والتفاعل في الأغنية وبالاخص في الكوبيليه الأول (صفالي عيشي وطاب من رؤية الأحباب) حينما استبدلها في المرجع (من شوفة الأحباب) ودائماً ما ينساق طلال خلف ألحان عبدالله محمد إلا أن الألحان الأعرض تستهويه لفرض عنصر الإبداع والقوة الادائية. صفالي حبي اليوم بعد الجفاء واللوم عادت ليالي الهنا والفرح بايدوم (عشقته) فلكور تمتلكه بيئة الطائف وجمالها بإيقاع المجرور وهو الرحيق الذي ذاق طعمه طلال.. وهذا اللحن من تطوير فوزي محسون الذي امتاز بالاختيار اللحني الأجمل فناً ونغماً. أغنية (عند النقاء) اختلفت عن سابقها من حيث الطرح في اللحن والكلام لذا ساعد الموسيقار طارق عبدالحكيم في ترجمة وإحساس الشاعر في الهدوء والمناداة والوصول إلى القرار والجواب في الكوبيليه الأول بدون اهتزاز بل إن بصمة اللحن كانت واضحة متواجدة إلا أن صوت طلال اضفى عليها الشيء الكثير بالتلاعب مع الإيقاع (العربي). عند النقا وياه ضيعت أنا روحي يا أهل الحرم بالله ردو على روحي إن كان حبيبي يفوت مرة على اعياني من بعد انا ما موت احيا واعود ثاني واحلف برب البيت لا احب ولا حبيت أما البقية من الأعمال كما ذكرنا فقد كانت أعمالا فلكورية متنوعة إضافة لما قدمه من أعمال اثرت الساحة فنياً. الجميل في ألبوم (مرت) هي المواويل والمجسات المحببة له والتي لم ينهجها غيره من الفنانين (بي مثل مابك يا قمرية الوادي). طلال مداح لم يكن كغيره من المطربين بل كان شاملاً يبدع أينما حل ملحناً بارعاً من الطراز النادر الذي ما أن يتفاعل مع المضامين الشعرية حتى يخرج لنا الأنغام الناجحة أو كان مطرباً يشدو بصوته ويتجلى بعذوبته وقد برهن ذلك في عدة مناسبات كان من نصيبه لحنياً كما هي الألحان الرائدة التي يقدمها لغيره وهي التي تنم عن حالة الطرب القصوى التي تعتريه في كل حالات التعبير المقنن للمضمون الشعري. ويعتبر ألبوم (مرت) هو الإنتاج الخامس بعد وفاته وابتعاده منها ألبوم (الذهب) وكذلك (عشب الفجر) و(قولو للغالي) كما انتج أغنية رياضية تخص المنتخب الوطني وأخيراً (مرت).. بينما يكون ألبوم مرت التاسع والستين لمسيرة طلال مداح مع شركة فنون الجزيرة والتي تمتلك مكتبته الغنائية وعددا وفيرا من ألحانه والتي دائماً ما تقدمها إلى فناني الشركة. وقيل عنه الكثير من النجوم ورجال الصحافة إلا اننا سنقف وقفة كاملة حول تاريخ طلال مداح الفنان الجميل.