ومضة: عندما يكدك الألم، وتشعر بالعذاب والحرمان، وعندما تتعب من يأسك وآلامك وآمالك، وعندما يملؤك الشعور بالوحدة على الرغم من التصاق الكثيرين بك، وعندما ينكشف لك الصديق عن منافق، ويرحل الأحباب، وعند كل ظلم وجور، وعندما تغلبك نفسك والشيطان، فتجد نفسك أسير الخطأ والآثام. تذكر الله فتنسى كل أحزانك، وتسلو كل همومك، يمنحك أملاً يحيل ليل يأسك فجراً، ويضيء درب عمرك من جديد. استيقظت كعادتها في الصباح الباكر، شعرت باختناق شديد، فرائحة الغبار تعبق في كل مكان.. أعدت قهوتها، لعل رائحة القهوة تخفف من عبق رائحة الغبار، خرجت الى الحديقة، نظرت الى البيوت المجاورة، الكل نائم، والسكون يعم المكان، ورائحة الغبار تعبق في كل مكان.. القهوة ليس لها طعم، وأغاني فيروز التي تحبها ليس لها معنى، وهي تشعر بالغثيان والاختناق، ورائحة الغبار تعبق في كل مكان.. بدأت بالأعمال المنزلية لعل رائحة مواد التنظيف تطغى على رائحة الغبار، لكن.. لا فائدة.. خرجت من المنزل لشراء الاحتياجات، ومازالت رائحة الغبار تعبق في كل مكان.. ألا يشعرون بالغثيان، الضيق، الاختناق.. كما تشعر هي!! عادت الى المنزل، حاولت اصطناع جو من المرح، دعت الجارات والصديقات، دقت الأغاني، ورنت الضحكات، لكنها مازالت تستشعر رائحة الغبار العابقة.. ذهب الجميع، وبقيت معها رائحة الغبار، تزعجها بقوتها.. أوت لحجرتها، حاولت النوم ولم تستطع.. شعرت برغبة في الصراخ والبكاء، صرخت وبكت كثيراً.. سكتت.. سمعت صوتاً رقيقاً آت من بعيد "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون". "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون". هدأت نفسها قليلاً، رفعت كفيها الى السماء، ودعت.. يارب ساعدني لأستطيع السير في الحياة وأنا أملك عقلاً نيراً، وروحاً صافية، ونفساً مطمئنة، وقلباً مخلصاً. يارب ساعدني على السير في طريقي بثبات واتزان وتصميم. يارب ساعدني لأغضب وأرضى لك وحدك، أحب وأكره لك وحدك. يارب خذ بيدي كي لا أسقط في متاهات الحياة التي لا تنفك تصعب وتشتد وتغري. يارب اجبر كسرنا وارحمنا برحمتك وثبت قلوبنا على الإيمان. يارب إني أعوذ بك من عين لا تدمع وقلب لا يخشع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع. جلست مع نفسها جلسة صدق، لكم تشعر بالفشل والاحباط، لكم تشعر بالتوهان والضياع، تشعر بأن عمرها يتسرب بسرعة وهي تقف (مكانك سر) ليس لها هدف في هذه الحياة.. قررت في ذلك اليوم الذي تعبق فيه رائحة الغبار ان تبدأ صفحة جديدة من حياتها، صفحة واضحة الأهداف والمعالم، محددة الطرق.. في ذلك اليوم قررت أن تجدد حياتها، أن تعيد تنظيم نفسها، وتحكم الرقابة عليها.. فالنفس البشرية تحتاج الى نظام يربطها وينسق شؤونها وإلا انفرطت وتبعثرت. بدأت ترتب أولوياتها: أولا: المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، ثانياً: بر الوالدين وصلة الرحم، ثالثاً: الاجتهاد في العمل الذي بين يدي، رابعاً.. خامساً.. سادساً.. مازالت رائحة الغبار تعبق في كل مكان.. ولكن.. لا يهم.