كل مواطن يتمنى أن يرى وطنه أفضل بلد في العالم فما بالك إذا كان هذا البلد هوموطن الإسلام والتوحيد فالأجدر ان يزداد حرصك أضعافاً مضاعفة لتجعله يظهر في أحسن صورة أمام الآخرين من منطلق الغيرة والحب للدين والحرص على سمعة الوطن الحبيب. وفي الآونة الأخيرة فتح وطننا الحبيب أبوابه للعالم مستقبلا السياح من مشارق الأرض ومغاربها. وبما ان السياحة مسؤولية عظيمة وخطيرة في نفس الوقت ففي كل مرة يزور سائح بلدنا الحبيب لن يخرج منها كما كان فإما تتحسن الصورة في نظره أو تسوء والمؤكد انها لن تبقى كما كانت. وبما انني كنت سائحة لبلاد متعددة فسوف اتحدث عن أحد العناصر الرئيسية والتي يحكم بها السائح على البلد المضياف وعلى مدى تقدمها ووعي مواطنيها وهذا العنصر للأسف الشديد يترفع الكثير عن الحديث او الكتابة عنه ألا وهو موضوع العناية بدورات المياه. أنا هنا كمواطنة غيورة وواعية أناشد المسؤولين في جميع أرجاء البلاد وبالذات في الهيئة العليا للسياحة بالمشاركة بشن حملة وطنية واسعة لتنظيف دورات المياه والاهتمام بها. فإذا أردنا أن نكون بلداً سياحياً فلنطبق أبسط قواعد السياحة بتوفير أماكن سياحية ومرافق تتسم بالنظافة والترتيب. فاستخدام دورات المياه في الأماكن العامة في بلدنا الحبيب يعتبر تجربة مرعبة ومقززة للكثير. فأنت تتسوق في أحد المجمعات التجارية تمتع ناظريك بفخامة المكان وبريق الرخام وطيب الرائحة وفجأة تضطر لاستخدام دورات المياه لتمر بتجربة تحول مذهلة وفريدة فبدفعة واحدة للباب المؤدي لدورات المياه وبلمح البصر تنتقل فجأة من مكان فخم وراق في دولة متقدمة إلى زقاق في احدى أدقع الدول فقراً فأول ما يصدمك هو الرائحة الكريهة ومستنقعات المياه وقذارة المراحيض، أما صابون الأيدي والمحارم الورقية فهما من الأشياء المستحيلة.. وهنا اتساءل لماذا فقط في بلدنا الحبيب يضطر الشخص إلى كتم أنفاسه عند دخوله الحمامات العامة ولماذا استطاعت بلاد كثيرة بامكاناتها الاقتصادية الضعيفة مثل اندونيسيا ولبنان في استقبال السياح بدورات مياه نظيفة تفوح منها رائحة المنظفات والمطهرات ومزودة بكل مستلزمات النظافة في كل مكان تذهب إليه إلا السعودية. فعلى الرغم من الامكانات الاقتصادية الكبيرة لبلدنا وعلى الرغم من أن ديننا الحنيف يأمرنا بالتطهر والنظافة واعتبار إماطة الأذى عن الطريق صدقة إلا اننا نعاني من قذارة دورات المياه في كل مكان نذهب إليه.. والمعاناة مع دورات المياه تبدأ منذ ان تحط قدم الزائر إلى مطار الملك خالد الدولي والذي يعتبر ثالث أكبر مطار بالعالم إلا ويصدم بظاهرة غير صحية وهي رداءة النظافة في دورات المياه. ففي كل مرة اضطر لدخول المكان يكون الحال كما هو عليه سنة بعد أخرى روائح كريهة ومستنقعات مياه تملأ المكان والمراحيض دوماً متسخة وكثيرا من الوقت معطلة. أما تجربتي الأخيرة والتي جعلتني اشتعل غضبا وغيرة لأقرر ان أمسك بالقلم وأكتب هذا الموضوع هو عندما عدت من اجازتي الصيفية في بريطانيا حيث السياح بالملايين ولم أر شارعاً أو حديقة متسخة ولم ادخل حماما واحدا اضطر فيه إلى كتم أنفاسي كما أفعل دائما بالسعودية، لكن بعد وصولي لمطار الملك خالد الدولي اضطررت إلى اصطحاب أحد أطفالي لدورات المياه في قاعة القدوم الدولية لأجد نفس الصورة وبنفس التسلسل رائحة كريهة تستقبلك أولاً ثم منظر مستنقعات المياه التي تملأ المكان ثم رحلة مرعبة بالمرور على عدد من المراحيض حتى تجد أحدها يبدو أقل فتكاً ويعمل لتقرر ان تجلس طفلك عليه محذراً إياه من لمس أي شيء لأن المكان يبدو غير نظيف. طبعا عدم وجود مناديل الحمام الورقية هو القاعدة وليس الاستثناء وبدأنا نعتاد الأمر ونتقبله كما لو كان شيئا طبيعيا ومفروضا لكن ما أثار حنقي هو عندما توجهت للمغاسل المهملة لأغسل يدي طفلي لفاجأ بأن صابون الأيدي السائل موضوع بقارورة متسخة لماء الصحة الصغيرة واقفة بشموخ على طاولة الرخام الضخمة!!.. أي مبرر يستطيع أن يقدمه المسؤولون في مطار الملك خالد عن هذا الوضع المزري للحمامات وأي بلد هذا يستقبل زواره ومواطنيه بدورات مياه قذرة وأي انطباع مبدئي سوف يأخذه السياح عن بلدنا. اما زوار المملكة براً من السياح والمعتمرين والحجاج فلا أقول إلا أعانهم الله وأثابهم على ما يعانونه من تجارب مروعة ومقززة لاستخدامهم تلك المرافق. فوضع دورات المياه على خطوطنا السريعة أقل ما يقال عنه مزرٍ.. فعندما تضطر لدخول تلك المرافق أول ما يصعقك هو الرائحة النتنة التي لا ينفع معها كتم الأنفاس ولا تغطية الأنف باللثام فمن شدتها تبقى الرائحة في أنفك لساعات طويلة تذكرك بالتجربة المروعة التي مررت بها، أما نظافة المكان فهي معدومة وستقع عيناك على مناظر تفقدك الشهية للطعام لأيام والبناء فأقل ما يقال عنه بدائي ورخيص ومتهالك، ولكن هذا لن يكون مهماً لو كان نظيفاً. المأساة لا تقف عند ذلك ففي كل مكان تذهب إليه تبهرك وتشدك فخامة الديكورات والواجهات البراقة والأثاث التي صرف عليها الملايين لتجد حال الحمامات مزرياً سواء من ناحية النظافة أو من ناحية التجهيزات. فنحن ما زلنا نعتبر دورات المياه أماكن غير مهمة ونرصد لها أقل الامكانات المادية والبشرية، فهناك الكثير من المحلات التجارية والترفيهية يرتادها آلاف الزبائن يصرفون فيها آلاف الريالات باليوم لتفاجأ بأن دورات المياه خصصت لها مساحة صغيرة جداً لا تتناسب مع حجم المكان وعدد مرتاديه كما انها مهملة وفي كثير من الأوقات قذرة جداً لتتحول مشاعرك فجأة وبسرعة من انبهار وسعادة في المكان إلى اشمئزاز وقرف ولسان حالك يقول إذا كان هذا هو مستوى النظافة فيما نرى فما هو الحال فيما لا نرى؟؟؟. أنا لن اتحدث عن حلول واقتراحات لكيفية الحفاظ على دورات المياه العامة بشكل نظيف ولائق فالحلول موجودة بتجارب الدول الأخرى. لكن أطالب المسؤولين بأخذ مسألة دورات المياه مأخذ الجد خصوصاً وان الوضع أصبح مخجلاً بعد الانفتاح السياحي. فيجب على المسؤولين في البلديات وضع معايير ومقاييس دقيقة ومحددة لدورات المياه بناء على نوعية النشاط التجاري وحجمه على ألا يعطى المستثمر إذناً للبناء إلا بتطبيق هذه الشروط بحذافيرها وإلا فكيف يتم وضع حمامات بتصميم وتجهيزات لمستخدمين بالغين والمكان عبارة عن مركز ترفيهي مخصص للأطفال يرتاده المئات منهم يومياً فتجد المراحيض كبيرة وقليلة والمغاسل عالية وبعيدة عن متناول أيدي الأطفال الصغيرة مما يجعل عملية غسل الأيدي تتطلب منهم مهارات الشعبطة والتسلق. فعلى الرغم من انتشار الأماكن الترفيهية المخصصة للأطفال في مدن المملكة إلا اني لما أجد دورات المياه بتلك الأماكن مصممة ومجهزة لاستخدام مرتاديها كما هو الحال في باقي الدول. وعلى الرغم من ان السعودية سجلت أعلى نسبة مواليد في العالم إلا أن غرف تغيير الرضع في المرافق العامة شيء من ضرب الخيال وان وجدت فبامكانات متواضعة ونظافة منعدمة يمنعك من استخدمها إذا كنت تخشى على صحة طفلك. اما المعاقون ودورات المياه المخصصة لهم فلا وجود لها في المرافق العامة وكأننا المجتمع الوحيد الخالي من الإعاقة، ففي الدول الأخرى تجد دورات مياه المعاقين جنباً لجنب مع دورات المياه العادية في كل مكان تذهب إليه إلا في المملكة فالمعاق شخص لا اعتبار له في المرافق والمواقف ولا حتى في الوظائف في واقع الحال. كفانا اهتماماً فقط بالواجهات والديكورات الخارجية واهمال وإزدراء الخلفيات وإلا سوف نقول للسياح إنه بالسعودية فقط سوف تحصل على تجربة فريدة وغريبة من نوعها فبدفعة يد واحدة لباب سوف تنتقل فجأة وبلمح البصر من مكان في قمة الرفاهية والتقدم في دولة متحضرة إلى أزقة إحدى أفقر المدن في العالم بروائحها الكريهة والمستنقعات القذرة. وهذا فقط يحدث بالمملكة.