ترسم أقدام طريدة الصقار الأولى (الحبارى) أثناء مشيها على الأرض أثراً يسمى (الجره، أو الجراير)، وهو مميز في الحبارى لأنها تطأ الأرض بثلاثة أصابع أمامية فقط، أما بقية الطيور فإن لها إصبعا رابعا في الخلف، ورغم كبر حجم الحبارى المقارب لحجم الدجاج، فإنه يندر مشاهدتها بالعين مباشرة كونها تتنقل عندما تحط على الأرض مشياً أكثر مما تطير فضلاً عن أنها من أشد الطيور قدرة على التمويه والاختفاء وسط طبيعة البيئة البرّيّة، ويساعدها في ذلك لونها المندمج مع لون التربة، ولهذا فمشاهدة (الجرة) أكثر ما يثير الصقارين في ميدان الصيد، بل إن كثيراً منهم يصابون بارتباك الفرح الذي ينسيهم تعب الرحلة الطويلة والشاقة، وتغشاهم نشوة الانتصار وبخاصة عندما يكون الصقار قد حاز على أسبقية إخبار أقرانه عبر أجهزة الاتصال اللاسلكي بقوله (عندي جره)، لأن (رحلة المقناص) تكون غالباً جماعية باستخدام أكثر من سيارة، ومنذ الصباح الباكر يتفرق الأصحاب فيذهب كل فرد أو مجموعة في جهة، وإذا عثرت إحدى المجموعات المتباعدة على (جره) انطلق النداء عبر اللاسلكي (عندي جرة)، وهذا يعني دعوة بقية المجموعات إلى المكان وإعلان الإثارة المرتقبة في مشهد رحلة الصيد، وبدء استنفار خبرة الصياد في تحديد سلوك الحبارى واتجاهات مشيها بواسطة معرفة طبيعة الأثر، وسرعان ما يتحول المشهد إلى تحدِّ وسباق في القدرة على العثور على الحبارى (بقص أثرها)، أما إذا لاحت الطريدة فيأتي المعترك والمحك لمن كانت من نصيبه؛ أو بالأحرى نصيب طيره (صقره)، لاختبار حسن تعليمه وتدريبه للصقر أو مزيد من التعلق فيه إذا كان مدربا مجربا ومتمكنا من البطش بالحبارى. لكن عبارة (عندي جرة) أصبحت قليلة الاستخدام بسبب ندرة الحبارى، فقد يمضي الموسم بما فيه من جولات ورحلات دون أن يرى الصقار الحبارى أو أثرها لأن السنوات الأخيرة من القرن العشرين شهدت (في مسرح رحلات المقناص) سباقا في التفاخر والتباهي بارتكاب عمليات إبادة واسعة النطاق لهذه الطريدة المغلوبة على أمرها في صحاري المملكة. على خلفية هذا الوصف أقول: كنت في رحلة إلى الربع الخالي باتجاه الجنوب من مكان يسمى القماعير، وعثرت في جولة صباحية على أثر حبارى، ولأن الصيد يعني لي فقط (صيد الكاميرة) لم أهتم كثيراً بالبحث عن الحبارى غير أنني هاتفت الصديق ثامر بن عبدالله الماضي وهو من المتعلقين بالصيد بالصقور والمتعلقين في ممارسة الهواية، وأعرف أنه لم ير أثر الحبارى رغم كثرة رحلاته في الموسم، لأقول له مداعبا (عندي جرة يا ثامر)، فجاءني صوته عبر الهاتف الفضائي (الثريا) متلهفا يسأل، أين مكانها؟ قلت له إنني في جنوب (القماعير). وهذا ما انتهت إليه المكالمة في الصباح، ولأن ثامراً شاعر، أتى صوته من الرياض حزينا في المساء ليسمعني قصيدته التالية: الصيد ولعة والليالي مدابير وبيني وبين الطير عشق وعلاقة عشقه تساوي مع بني غنادير مرة تفوق البنت ومرات فاقه مالي هوى بالسوق صر الدنانير ولا لي هوى دش البحر والحداقة أنا هواي الخرب لا رده الطير ومن عقب ما رده تنكس وعاقه بارض خلا ما تلمح اللي بها يسير غير بدوي سارح في نياقه مير البلا هالوقت ما عينن خير طيور الحرار اللي سريع انطلاقه قل الحباري هم كل الصقاقير حتى على الجره تجيهم شفاقة ولو تذكر الجره جنوب القماعير والا شمال الاجردي في طراقه راحوا لها ما حسبوا للمخاسير ولو قبلهم قناص جاها وحاقه كله رضا للقلب طرق المشاوير والا ان عصيت القلب زاد احتراقه أنا أشهد ان الصيد ولعة وتعزير والى اجتمعن الثنتين صارت حماقة ويا كم ربطن الطيور المغاتير ما منهن اللي داغر الخرب ذاقه لقد أصبحت المحميات الطبيعية هي الملاذ الوحيد للحبارى التي تعيش في المملكة حاليا، وحتى هذه المحميات لا تسلم من عبث مقتحميها لدواعي الصيد، وقلة من الصيادين يدركون أن الحبارى على وشك الانقراض، ونادرا ما نجد من يوازن بين الاستمتاع في هواية الصيد وبين المساعدة في المحافظة على طريدته بعيدة عن شبح الانقراض الكامل.. أما الحبارى المهاجرة العابرة فمع قلتها برز مؤخراً بين مجتمع الصقارين وجود أثرياء يمنحون مبلغ خمسة آلاف ريال لمن يدلهم على حبارى واحدة، والمبلغ مرشح للزيادة مع قادم الأيام، ولذلك وجد بعض الأثرياء الصقارين أشخاصاً يسعون إلى أموالهم بالانتشار في أولى مناطق عبور الحبارى المحاذية لسواحل المملكة ليتولوا البحث نيابة عنهم ومن ثم إبلاغهم عن الحبارى قبل أن يعثر عليها الصيادون البسطاء، وكأن هؤلاء الساعين للمال قوة حصار وحاجز لحرمان براري المملكة من أن تطأها أقدام الحبارى. المؤكد أن ترف الأغنياء وشراءهم للحبارى الطائرة فعل يصب في التعجيل بانقراض الحبارى، ولا أعتقد أنه عمل يرضي كبار الصقارين المعروف عنهم أنهم من أشد الصيادين احتراماً لأخلاقيات الصيد. وفي الأسبوع المقبل لنا لقاء من قلب الصحراء