منذ هدنة 1948م، ومبدأ التقسيم، ثم مشروع الرئيس السابق لتونس السيد الحبيب بورقيبة وطرحه فكرة "خذ وطالب" ثم تتالي الحروب والمقاومة ومشاوير المؤتمرات التي تنتقل من دولة لأخرى، وفق مسميات وطروحات تجردت من الحلول، والقضية الفلسطينية تخسر أكثر مما تكسب، وقد أصبح عامل الوقت يذهب لصالح إسرائيل عندما أخذت في إنشاء المستعمرات والاستيطان داخل الأراضي الفلسطينية، والحالة تنتقل من عقدة لأخرى أشد تشابكاً، حتى إن كل من عُرفوا وشاركوا من زعامات الغرب باستثناء الرئيس "ديغول" وقفوا بكل قواهم مع إسرائيل في شراكة استراتيجية داعمة لتوجهاتها ونفوذها وكأنها تحمل، كما يزعمون، وعد الرب بكل ما تحمله كتبهم وتعاليمهم من ترّهات.. لماذا حُلّت مختلف قضايا العالم المتشابكة وبقيت قضية فلسطين محور أطول جدل، هل المشكلة هي صراع على مقدس وأرض احتلت بوعود بشرية وزعم بوعود إلهية وبمبررات "شعب بدون أرض، لأرض بدون شعب" التي أصبحت عقيدة مبدأ الاغتصاب والاحتلال، أم هي صدام الأديان والحضارات أخذت تطبيقاتها من هذه القضية وتداعياتها القائمة منذ الحروب الصليبية إلى الحروب الصهيونية؟! كل المذابح من دير ياسين، وصبرا وشاتيلا وغيرها، إلى مذابح غزة، جاءت بتوجه تدعمه عقيدة الإبادة، لأن اسم الفلسطيني ارتبط في الذهنية الإسرائيلية بشريك المصير المنازع على الأرض، وما يستغرب له أن من شرّعوا المبادئ والقوانين الداعية لحماية الإنسان، يتجاهلون، وبشكل متعمد، كل ما جرى ويجري للفلسطينيين، وهذا ما يثبت أن "الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا" وهذا يستثني الشرق الذي دخل المزاحمة في آسيا، ويبقى الصراع العربي، والإسلامي مع الغرب، لا تصلحه مساحات التاريخ المتصلة بالصراع إلى اليوم.. غزة عارٌ تاريخي للبشرية كلها، لأن المشهد الدموي لأطفال يجهلون ما يجري من خلاف تاريخي، ونساء وشيوخ يعيشون في أسوأ حالات الأمن بين حصار ودمار إسرائيليين، وتجاهل دولي، وتراجع عربي وإسلامي، يجعل الحالة مأساوية ليس في منطقها فقط، وإنما بصورتها الشاهدة على بربرية أصحاب الحضارة، ودعوات مكافحة الإرهاب، وإرهاب الصهيونية فاق غيره، وتحول إلى رمز نازي مساوٍ لما فعله هتلر.. وإذا كان العالم الإسلامي أصبح بؤرة الإرهاب وتصديره، كما تقول أدبيات العديد من الدول، وتفرض نوعاً من الاتجاه الفكري أحادي الجانب، فإن مناظر ما يحدث في غزة تفرض أن تنمو قيم الإرهاب بألوانه وأطيافه المختلفة لأنه الرد المباشر من عناصر وقوى تعيش القهر، وتريد التعبير عنه بما هو مساويه من فعل، وهذه المعادلة لم يتسبب بها إسلامي، وإنما روح الخصومة والصراع الدائمان اللذان فُرضا على الشعوب الإسلامية والأمة العربية.. ومثلما قامت إسرائيل على مبدأ الإرهاب، فكل الاحتمالات تجعل ما قامت به شريعة مطروحة وسبباً لأن النتائج تُبنى على الأسباب لا غيرها..