كل شعوب العالم توثق تراثها التاريخي المتمثل في مسيرة حضارتها، أو الشعبي الذي يتعلق بالممارسات الاجتماعية، والمؤلم أن ربط تلك الحياة بالحاضر، لم يأخذ شكل التوثيق الأكاديمي الذي يرتب ويدرس ويجمع، ويسجّل المرويات وغيرها في عمل كبير يجعل دارس حياتنا الاجتماعية من اتجاهاتها الأربعة يراه عملاً ضرورياً قبل أن تزول معالم تلك الحياة.. لدينا كمٌ هائل في هندسة المباني بمختلف المناطق، وكيف كانت تجري العادات في العلاقات الأسرية والاجتماعية، ومراسم الزواجات، والأناشيد، وحفلات الختان والأعياد والأعراس، ومواسم الحصاد وجني الثمار من نخيل وسمسم وحبوب، وأيام الزروع ورصد فتراته بالتقاويم، والمبادلات التجارية، ومواسم الأمطار والعلاقة بين القرية والمدينة من جهة، والبادية من جهة أخرى.. ثم تأتي الحرف اليدوية، صناعات الأواني، والأخشاب والجلود ونسج الأصواف وتلوينها كحرفة اختصت بها البادية أكثر من الحاضرة، وما يتعلق بأساليب الطبخ، ومؤثرات النخلة في العديد من الصناعات والوقود.. قائمة طويلة لا يمكن استعراضها في هذه الأسطر المحدودة، غير أن المؤلم أن كثيراً من التراث الشعبي بقي لدى بعض المجتهدين، الذين اجتهد فصيلٌ منهم في توثيقه، وهي أعمال فردية يمكن أن تكون نواة لدراسات علمية واجتماعية وطريقاً لاحتواء تلك الموجودات، سواء ما يُعرض منها للبيع في أسواق المدن أو المقتنيات لتكون متاحف شعبية توكل مهمتها لهيئة السياحة والجامعات ومراكز الدراسات الاجتماعية.. أذكر أن أحد المهتمين بالأهازيج الشعبية والأغاني، كان يتألم لأنه حاول توثيق الشمال الغربي من المملكة، ووادي الدواسر، والمنطقة الشرقية، فصدم بثراء وتنوع الموروث، ومع تقادم الزمن سوف يضيع خاصة وأن لون البحر، والصحراء، والجبال كلّ له طابعه الخاص وبقيت تردده بعض الجماعات الصغيرة، أو الأفراد ممّن عاصروا تلك المراحل.. وإذا كانت الاجتهادات نجح بعضها في توثيق وحفظ أشعارنا النبطية لأنها تملك ديمومة التسلسل والاستمرار فهذه جزء صغير من موروثاتنا الكبيرة، ولا أدري من توكل له هذه المهمات هل هي الجامعات، أم هيئة السياحة، أم القائمون على الجنادرية، أم لجهة مستقلة؟ في معظم دول العالم هناك قرى شعبية تحوي تقاليدها، وأخرى تدخل مسابقات وعروضاً عالمية من خلال تراثها، وفي زحمة التسارع في حياتنا قد نفقد الكثير لتتلوه (الحسايف) والآلام من ضياع الكنوز..