رحم الله عبدالله القصيمي الذي استنتج أن "العرب ظاهرة صوتية" وكرّس هذه الحقيقة الصادمة والمحزنة والواقعية التي تطبع سلوكنا، وفعلنا، وممارساتنا. كرّسها عبر قراءة لواقعنا العربي المهترئ الموجع. هكذا نحن، ومن نحن.. "إذا بلغ الفطام لنا رضيع تخر له الجبابر ساجدينا" نرجسية، شوفينية، وبلاهة، وفروسية كاذبة كاريكاتورية. نجتر مفردات اللغة، نعود إلى بديعها، وطباقها، وجناسها، وتشبيهاتها، ومترادفاتها، وغريب لفظها كعلوج محمد سعيد الصحاف، ولا بأس أن ننتشي، وتعلو قبضاتنا في المحافل على وقع الأناشيد التي تمجد الزعامات الحزبية، وتصنمها، وتضفي عليها قدسية بائسة، وتمتلئ تيهاً، وغطرسة، ومزايدات على دماء الناس الأبرياء، وجثث الضحايا الملقاة في الشوارع، شوارع غزة التي صودر قرارها، ووضعت تحت جحيم الصواريخ، ولهيب الإحراق. هكذا نحن، ومن نحن. خطابات تزايد على العرب من الماء إلى الماء. أناشيد محرّضة ناسفة وملغية لكل العمل العربي منذ عام 48.اتهامات، وتخوينات، وتصنيفات، وتحريض، وتدخلات في شؤون الدول العربية، واستفزازات، ودعوات إلى سلوك غوغائي تمارسه الشعوب، والجيوش ضد الأنظمة العربية. أما لماذا.. فهذه عقيدة الأحزاب الشمولية، الراديكالية، التولتارية التي ارتهنت، ورهنت الإنسان معها إلى أنظمة تلعب بأوراق القضية العربية، والإنسان العربي، وتوظفهما في مفاوضاتها مع إسرائيل. ومع الغرب في برامجها النووية. مثلاً، مثلاً. ونعود إلى مقولة المفكر عبدالله القصيمي. إسماعيل هنية الذي يشاهد جثث أكثر من ثلثمائة فلسطيني من غزة يتكدسون في الشوارع. ومئات الجرحى، والأسر التي بلا مأوى يصرخ. "... لن نتراجع ولو دمروا غزة كلها." ويصل الصدى إلى فوزي برهوم أحد قياديي حماس فيخرج عبر الفضائيات ليقول: "... إن العدوان الإسرائيلي قد فشل تماماً، وحققنا الانتصار الإلهي لأن قادة حماس بخير، ولم تستطع إسرائيل أن تهزمهم، أو تصيبهم.." وتتوالى الخطابات. خطابات الانتصار، إذ مادام الزعيم سالماً، فالضحايا فرط عملة!! وكما في حرب تموز 2006التي قتل فيها 1200شهيد، ودمرت فيها قرى، وبنى تحتية، وفُرض على لبنان حصار بحري وجوي. واحتلت أراضي وكلفت لبنان خمسة عشر مليار دولار. وحولناها إلى انتصار يكون الوضع مشابهاً في غزة. والمأساة أنتجها خطف جنديين إسرائيليين في داخل الخط الأزرق في لبنان. وفي غزة صواريخ مصنعة محلياً لا تؤثر إلا في مزرعة نائية، أو مسكن مهجور. وأمجاد يا عرب أمجاد..!؟