إن المتأمل لمسيرة النقد يجد أنه يخضع لقانون الطبيعة من تطور وتجديد، وفي هذا الملخص الموجز، سنرصف لمحات عامة عن هذا النقد على الرغم من طول المسافة التاريخية. النقد القديم قبل الشروع في الحديث عن النقد القديم، لابد أن نراعي الفترة الزمنية، والتي تنقسم إلى مرحلتين: قبل التدوين وبعده. وأولى عتبات ذلك في العصر الجاهلي وصدر الإسلام، كان النقد انطباعياً وغير معلل، أعقب ذلك العصر الأموي وهو البداية الحقيقية لعصر التدوين، فظهر لنا أمثال ابن سلام في كتابه طبقات فحول الشعراء، و"ابن قتيبة" "الشعر والشعراء"، والحقيقة أن ترتيب الشعراء على تلك الطبقات لم يكن منطقياً وكان صادراً عن اجتهاد الناقدين، لكن دون منهجية مقنعة، وتلا ذلك: العصر العباسي ومن أهم ما يسترعي الانتباه إليه تفتح العقلية العربية وتأثرها بتلك العلوم المعربة من لغات مختلفة، فنجد ميل الناقد في تلك المرحلة إلى المحاولة في تقعيد النقد، ومن تلك المحاولات "عيار الشعر" لابن طباطا، و"نقد الشعر"، لقدامة بن جعفر، الذي نص على معيار الشكل، ولا يغيب جهد الآمدي في الموازنة بين الطائيين، ومن أبرز القضايا التي تدور بينهم: أعذب الشعر أكذبه/ أصدقه، قضية الشكل والمعنى وغيرها، إلى أن نصل إلى محاولة جادة في وضع المنهجية تتمثل في قضية "عمود الشعر" الذي أفاض الحديث عنها وحاول تقنينها المرزوقي فجاءت رؤيته مجانبة الصواب. وبعد تلك المسيرة الحافلة بالنقد توقف النقد وتسربل السديم في عصور وسمت "بالانحطاط، الظلام، الدول المتتابعة.." خفت ضوء النقد فترة من الزمن، إلى أن قيض الله له الحياة بعد القرن التاسع عشر. النقد الحديث يرى رينيه ويليك أن القرن العشرين هو الذي يستحق أن يلقب بعصر النقد، وإن توقفنا بنظرة متأمل وبطريقة المسح الوصفي على النقد الحديث، نجد أنه نقد موضوعي له أدواته في التحليل عكس النقد القديم. وينقسم النقد الحديث إلى ثلاثة أقسام: الأول فيما يسمى بالمناهج التقليدية ك: المنهج التاريخي، والاجتماعي، والنفسي، تُعنى عناية تامة بما يدور حول النص من المؤلف، والملابسات الخارجية التي تؤثر فيه، فالسلطة فيه للمؤلف. والقسم الثاني: المناهج الحداثية، هو نقد شكلاني، لكنه لا ينفك عن الايدلوجيا، تحولت السلطة فيه إلى النص وظهر ما يعرف ب "موت المؤلف".. وهذا النقد ينسف ما قبله من المناهج التقليدية. أما القسم الثالث: ما بعد الحداثية: ك(التفكيكية، ونظرية التلقي)، انتقلت فيها السلطة إلى القارئ. وما تلك السطور إلا لمحة خاطفة عن الملامح العامة بين النقد القديم والحديث، وخلاصة ذلك أجملناه في النقاط التالية: 1- إن النقد القديم صادر عن ذائقة عربية، فالنقد كان عربيا أصيلا، أما النقد الحديث فهو نقد غربي. 2- شهد النقد القديم مشاركة النحاة واللغويين حتى الخلفاء كانت لهم بصمتهم في ذلك من أمثال عمر بن الخطاب، ومعاوية بن سفيان، وعمر بن عبدالعزيز وغيرهم. أما في النقد الحديث فله نقاد مختصون، يملكون أدواته. 3- النقد الحديث صادر عن نظريات علمية بحتة (كنظرية دارون، ونظريات فرويد في علم النفس، وغيرها) وأضحت تطبق على الأدب. 4- إن النقد الحديث في القرن العشرين نقد عالمي، له خصائص عامة ومشتركة، ولكن كل أمة تتميز من غيرها في طريقة التناول تلك المناهج النقدية. 5- النقد القديم لم يكن نقدا منهجيا منضبطا مقنعا، على الرغم من وجود محاولات جادة.. أما النقد الحديث فهو نقد منهجي له ضوابطه وقواعده التي لا يحيد عنها.