هل هناك علاقة بين التسرب الوظيفي وضعف الولاء التنظيمي، وانخفاض المواطنة التنظيمية، وضعف الالتزام بالدوام، وبين مستوى الاغتراب الوظيفي؟ هذه الأسئلة يحاول الباحث د.حمود الكنعان الإجابة عنها في دراسة محكمة نشرتها مجلة الإدارة العامة الصادرة عن معهد الادارة وهي بعنوان (تأثير المتغيرات الشخصية والتنظيمية على مستوى الاغتراب الوظيفى). أول سؤال للدخول في هذا الموضوع هو: ما المقصود بالاغتراب الوظيفي؟ الاغتراب الوظيفي يشير إلى ضعف العلاقة بين الفرد والوظيفة ومستوى الاندماج، وهذا الاندماج قد يكون نفسياً أو فكرياً أو مهنياً. وقد اختار الباحث أن يقيس مستوى الاغتراب الوظيفي الذي يشير إلى مقدار الانفصال بين الفرد والوظيفة التي يقوم بها من خلال أربعة أبعاد هي: @ انعدام القوة ويشير إلى حالة من عدم قدرة الفرد على التأثير على مجريات الأمور. @ انعدام المعنى وهي شعور الفرد بعدم وجود معان لما يقوم به. @ انعدام المعايير أي شعور الفرد ان قيم الفرد التي يؤمن بها قد لا تساعد على تحقيق الأهداف التي يصبو إليها. @ الاغتراب النفسي أي شعور الفرد بأن النشاطات الوظيفية التي يقوم بها لا تؤدي إلى تحقيقه لذاته. وقد أراد الباحث ان يتعرف على تأثير المتغيرات الشخصية (العمر، التعليم) والمتغيرات التنظيمية (المرتبة، المكانة الخ..) على مستوى الاغتراب الوظيفي الذي أشرنا إليه. ماذا كانت النتائج والتوصيات؟ هناك مستوى متوسط من الاغتراب على الرغم من ارتفاع درجة الرسمية، وانخفاض متوسط لكل من درجة المشاركة، ودرجة الاستقلالية، في حين تشير دراسات سابقة إلى ان تلك المؤثرات تؤدي إلى ارتفاع درجة الاغتراب الوظيفي. بالنسبة للمتغيرات الشخصية انتهت الدراسة إلى انه لا توجد علاقة ذات دلالة إحصائية بين هذه المتغيرات وبين مستوى الاغتراب الوظيفي. وعلى العكس من ذلك، أشارت الدراسة إلى وجود علاقة بين بعض المتغيرات التنظيمية ومستوى الاغتراب حيث إنه كلما ارتفعت المكانة التنظيمية للفرد قل مستوى الاغتراب، وتفسير هذه النتيجة ان الفرد يصبح من صناع القرار. كما توجد علاقة سلبية بين مستوى الاستقلالية لدى الفرد ومستوى الاغتراب الوظيفي، أي ان المركزية تؤثر في رفع مستوى الاغتراب الوظيفي. أما المشاركة فإنها كلما زادت قل مستوى الاغتراب الوظيفي. أما بشأن القيام بأعمال روتينية فإن النتائج تشير إلى ان من يقوم بها يرتفع لديه مستوى الاغتراب الوظيفي. بناء على ما سبق من نتائج أوصى الباحث بزيادة الاهتمام بتوسيع قاعدة المشاركة في القرارات، وضرورة العمل على تنمية الاستقلالية المهنية من خلال تفويض الصلاحيات. وتبني منظمات الأعمال سياسة حقيقية للتدوير الوظيفي مما يجعل الفرص متساوية أمام العاملين. كما أوصى الباحث بدراسات مستقبلية تدرس أثر عوامل أخرى على مستوى الاغتراب الوظيفي مثل خصائص الوظيفة، وطبيعة المنظمة. أتوقف عند المكانة التنظيمية التي إن ارتفعت قللت من مستوى الاغتراب (حسب الدراسة) وأقول ان هذه المكانة ليس تحقيقها مقتصراً على ان تكون من صناع القرار، ويمكن للفرد تحقيق الرضا الوظيفي في عمله حتى لو كان جزئياً أو روتينياً إذا وجد الاهتمام، وكان أمامه مسار مهني واضح يحفز طموحاته، والمكانة الوظيفية ليست مرتبطة بالقيام بأدوار إشرافية بل بالقدرة على تحقيق الذات وتحقيق الانجازات التي تساهم في تحقيق المنظمة لأهدافها. ويمكن تعزيز تلك المكانة عن طريق المشاركة التي يجب أن تتاح للجميع. أما توصية التدوير الوظيفي فلابد من الأخذ في الاعتبار مبدأ الفروق الفردية فهناك من ينتمي إلى عمله بقوة ويندمج فيه بعلاقة مهنية وعاطفية ولا يسعى إلى مراكز لها دور في صناعة القرارات، واقترح اجراء دراسة مقارنة على عينة أخرى من خارج البرامج التدريبية. في الختام يستحق الدكتور حمود الكنعان الشكر والتقدير على هذه الدراسة واختيار هذا الموضوع المهم وهو موضوع يفترض من المسؤولين على مستوى الوزراء ورؤساء الأجهزة ومديري العموم ان يوجهوه إلى مديري التطوير للافادة منه بشكل عملي. السؤال المؤلم هو..... من يقرأ؟ ألم تشر دراسة للعامري (1423ه) إلى مستوى متدن من المواطنة التنظيمية لدى العاملين في مستشفيات وزارة الصحة بمدينة الرياض! فهل قرأ أحد من وزارة الصحة تلك الدراسة؟ سؤال مقال اليوم هو متى نستفيد ميدانياً من مثل هذه الدراسات؟