سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
زين العابدين بري : الأزمة المالية الحالية عابرة ... ولا يمكن أن تسقط « الرأسمالية » ألن جرينسبان هو المسؤول الأول عن الأزمة .. وتخفيض الضرائب من أهم الإجراءات المقترحة .
قلل عضو مجلس الشورى وأستاذ الاقتصاد بجامعة الملك سعود سابقاً الدكتور زين العابدين بري من حجم الأزمة المالية العالمية وأشار إلى أنها لم تصل إلى حجم حالة الكساد التي مرت بالعالم مابين فترتي الحربين العالميتين ، وأكد عضو مجلس الشورى بأن الاقتصاد السعودي بمنأى عن تأثير تلك الأزمة لأسباب عدة من أهمها أن تقدير الإيرادات في الميزانية الحالية وضعت عند تقديرات متواضعة لسعر البترول، داعياً البنوك المركزية في العالم إلى تشديد الرقابة على البنوك التجارية والتي كان " ارتخاؤها " أحد أسباب الأزمة. ونفى عضو مجلس الشورى الدكتور بري ما يقال بأن ما يحدث الآن من نكسات اقتصادية ينذر بسقوط النظام الرأسمالي وذلك لأنه " نظام الكون ". كما عارض تدخل الدولة لإنقاذ سوق الأسهم ودعوة فك ارتباط الريال بالدولار من جهة أخرى.. هنا نص الحوار: في الأزمة المالية العالمية قيل إن السبب تضخم مداخيل شركات التأمين الكبرى وقيل إنها بدأت بمشكلة الرهن العقاري والإفراط في القروض غير المراقبة ما أدى إلى تصاعد لما يسمى " الاقتصاد الرقمي " في رأيكم ما هي الأسباب الرئيسة ؟ أياً كان السبب فإن المسؤول الأول عن هذه الأزمة هو السيد آلن جرينسبان رئيس البنك المركزي السابق والذي نشأت الأزمة وترعرعت في ظل قيادته للفيدرالي الأمريكي ، وما حصل خلال الأزمة المالية الحالية لم يكن وليد الساعة وإنما كان على فترات امتدت إلى ماقبل 2004 م أي خلال رئاسة السيد آلن جرينسبان للبنك المركزي الأمريكي ( الفيدرالي الأمريكي ) الذي ادخرمعظم وقته في تتبع الزيادة والانخفاض في سعر الفائدة من أجل المحافظة على التوازن الاقتصادي أي الحصول على اقتصاد خال من التضخم ومن الكساد وكان يقال إنه عندما يعطس جرينسبان فإن الأسواق المالية العالمية تهتز ومع ذلك نشأت الازمة وترعرعت في ظل إدارته وكان هذا نتاج الاعتقادات بالقدرات الاستثنائية لذلك الرجل والذي كل ما فعله أن اعترف أمام الكونجرس بأن هناك أزمة ولكنه تفاجأ بحجم تلك الأزمة ، فما يفترض في البنك المركزي ( الحكومي ) في أي دولة بأنه المسؤول الوحيد عن تصرفات البنوك التجارية بالشكل الذي يحافظ على سلامة المراكز المالية لتلك البنوك التي تعد أحد المحركات الأساسية للاقتصاديات التي تعتمد نظام السوق ( الرأسمالية ) ، فالبنوك التجارية تأخذ أموال المودعين وتقوم بإقراض جزء منها والذي قد يصل إلى 85% لقاء فوائد ، وسقوط البنوك التجارية أو إفلاسها يعني انهيار أموال المودعين وهذا بلا شك يزعزع الثقة في النظام البنكي مع ما لهذا النظام من أهمية ، كما إن البنوك التجارية عند إقراضها إنما توفر السيولة للقطاعات الاستثمارية ، وتلك القطاعات في الدول الغربية تعتمد بشكل رئيسي على الأموال التي تحصل عليها عن طريق الاقتراض وبالتالي فإن سقوط البنوك وإفلاسها يعني شح القروض للقطاعات الاستثمارية المنتجة وتدهور حالة الاستثمار والإنتاج والجنوح نحو الركود وربما الكساد ، هذا على اعتبار أن قطاع الاستثمار هو المحرك الرئيسي للاقتصاد في الاقتصاديات الكبيرة وهذا على عكس الاقتصاديات الناشئة التي تعتبر الحكومة المحرك الأساسي للاقتصاد فيها ، فالمفروض في البنوك المركزية أن تتأكد من سلامة الموقف المالي لأي بنك تجاري ومن سلامة جميع العمليات التي تقوم بها. لكن ألا ترى أن الإقراض والتأمين لهما بالتالي دور في الأزمة ؟ نعم أفرطت البنوك التجارية في الإقراض لقطاع العقارات ومن ثم بدأت في الاقتراض من بعضها البعض لتغطية مراكزها المالية وجيرت أسعار الفائدة التي كانت تدفعها لبعضها البعض للمشتري النهائي حتى ارتفعت أسعار البيوت إلى حدود لا يمكن الوصول إليها من قبل المشترين العاديين وتورطت كبار شركات التأمين في التأمين على تلك القروض وبقيت البيوت دون مشترين وبقي عرض المنازل أعلى من الطلب عليها، وحيث أن البنوك المتورطة لم تستطع استرجاع السيولة المستثمرة فقد بدأت الانهيارات في تلك البنوك وذهبت معها ودائع العملاء وتورطت معها الكثير من المحافظ الاستثمارية وبعض استثمارات معاشات التقاعد . وهل تؤيد قول بعض المحللين بأن هذه الأزمة أعلنت سقوط النظام الاقتصادي الرأسمالي بمفاهيمه الشرهة دون رجعة ؟ لا وعلى الإطلاق ؛ فالنظام الرأسمالي لا يمكن أن يسقط ، والسبب أنه هو نظام الكون ، وحتى نعرف الحقيقة فإن النظام الرأسمالي لم يخلق أصلاً من هذا الاسم وإنما نشأ تحت مسمى السوق ، فالخالق سبحانه وتعالى عندما أوجد هذا الكون خلق فيه بائعاً ومشترياً ، منتجاً ومستهلكاً ، وخلق لكل السلع والخدمات أسواقاً ، هناك من ينتج الحبوب وهناك من يربي الماشية ، بدأ نظام المقايضة وتطور مع توسع الحياة إلى النظام النقدي ، وكل ما جاء به النظام هو القول بوجوب المحافظة على حرية السوق ، بمعنى عدم التدخل في آلية السوق لا من قبل الحكومة ولا من قبل أي شخص آخر ، أي إن ما قال به واضعوا النظام هو المناداة بعدم التدخل في ما هو موجود وتسير عليه الحياة ، وكان كل فرد يسعى لتحقيق طموحاته وتعظيم أرباحه وهو بذلك أي الفرد سيحقق طموحات المجتمع إذا توفرت ظروف المنافسة ومنعت الاحتكارات والتدخل في آلية السوق ، أي إن نظام الأسواق كان موجوداً منذ نشأت الحياة وتطورت بينما بلورته في شكل نظام لم يتعد مائتي عام ، أما القول بأن هذا النظام سقط إلى غير رجعة فإن المشكلة لم تتعد شحاً في الائتمان في بعض البنوك وأنها أزمة عابرة لم تصل إلى حد أزمة الكساد الكبير الذي عاشته البشرية ما بين فترتي الحرب العالمية الأولى والثانية ولم يترتب على هذه الأزمة غير تسريحات في العمالة وانخفاض في الإنتاج قد يتعدى حد الركود ليصل إلى حد الكساد ، وفي هذه الحالة فإن على الحكومات أن تتدخل لتعويض النقص في السيولة وهذا أيضاً من ركائز النظام الرأسمالي . كيف نتحقق من أن الاقتصاد السعودي لن يتأثر في ظل تداعيات سلبية طالت أغلب دول العالم وأدت إلى إفلاس عدد كبير من المصارف وأيضاً إلى سعي شركات عابرة للقارات للاندماج ؟ بداية يجب القول إن الاقتصاد السعودي ليس بمأمن بل إن الأثر قد يظهر جلياً إذا ما استمرت الأزمة واستفحلت في الدول الغربية ، ولكنني أود التأكيد أن الأثر على الاقتصاد السعودي سيكون محدوداً لأسباب عدة أهمها : أن تقدير الإيرادات في الميزانية الحالية وضعت عند تقديرات متواضعة لسعر البترول ، وسعر البترول لم يصل بعد إلى ذلك الحد الأدنى ، وأن الميزانية الحالية في مراحلها النهائية ، من الناحية الأخرى فإن الاحتياطيات المالية للدولة والتي تكونت خلال الأعوام القليلة الماضية كافية إن شاء الله إذا استطعنا وضعها في شكل سيولة نقدية أن تفي باحتياجاتنا من ناحية سد النقص في الميزانية للأعوام المقبلة حتى تعود الأمور إلى طبيعتها، من الناحية الأخرى فإن هناك أثر واضح على صادرات كبرى الشركات السعودية وخصوصاً المنتجة للبتروكيماويات، غير أن البنوك السعودية التجارية يبدو أنها سليمة والحمدلله، ولم تتعرض لما تعرض له بنك الخليج على سبيل المثال. لكن ذلك قد يؤدي إلى نقص الإنفاق الحكومي بالمستقبل ؟ نعم ولكن رب ضارة نافعة فانخفاض الإنفاق الحكومي بعض الشيء وأيضاً انخفاض الإنفاق الاستهلاكي الفردي الذي أتمنى أن يحدث نتيجة هذه الأزمة ونتيجة التحوط من قبل الأفراد قد يؤديان إلى انخفاض الإنفاق الكلي بعض الشيء وبالتالي انخفاض الطلب الكلي والتخفيف من حدة الارتفاع في الأسعار ( التضخم ) ، وقد بدا ذلك جلياً في الانخفاض في بعض أسعار المواد الغذائية وأسعار مواد البناء وغيرها من السلع ، وسيستمر هذا الانخفاض في الأسعار إذا استمر تساوي الطلب الكلي مع العرض الكلي ، فعلينا أن نكون حذرين من ناحية زيادة الإنفاق الحكومي أو الفردي أو قطاع الأعمال . وهل الإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية لحماية اقتصادها من نتائج الأزمة " مطمئنة " في ظل تصاعد تكلفة " القلق " لدى المواطن ؟ إن ما قامت به حكومة المملكة العربية السعودية من إجراءات من خلال السياسة النقدية كاف جداً ، فالحكومة قامت بضمان الإيداعات لدى البنوك التجارية وكان هذا الإجراء مهماً من أجل ضمان استمرار الثقة في البنوك التجارية ، كما قامت بإجراء آخر مهم أيضاً وهو تخفيض نسبة الاحتياطي النظامي الذي يجب أن يحتفظ به البنك التجاري من 13% إلى 10% ، وقد اتخذ هذا الإجراء من أجل زيادة الأموال المعدة للاقراض من قبل البنوك التجارية ، وفي اعتقادي أن مستوى السيولة ومقدار الأموال المعدة للإقراض من قبل تلك البنوك عال جداً ولم تكن هناك حاجة ماسة لهذا الإجراء ولكن اتخاذه كان من قبيل زيادة تشجيع البنوك على التساهل ، فالمتتبع للأرصدة والاحتياطيات النقدية والأموال المعدة للقروض يجد أنها عالية وتزيد بنسبة مقبولة . لكن ما حدث الآن أن هناك تشديدات من تلك البنوك واحترازات في منح القروض ؟ هذا الأمر من قبيل التحوط لا أكثر ، وهذا حق مشروع لتلك البنوك لحماية مستهلكي خدماتها وعملائها . من جهة أخرى دكتور زين العابدين بري .. تزايدت الدعوة وبحجم أكبر إلى فك الارتباط بين الريال والدولار ، هل ترى هذه الدعوة منطقية في ظل الأزمة المالية العالمية ؟ أنا لا أعرف من أين عادت الدعوة لفك الارتباط بين الدولار والريال فقبل وقت قصير اشتدت الدعوة لذلك على اعتبار انخفاض سعر الدولار أمام اليورو الأمر الذي ينعكس سلباً على أسعار السلع المستوردة من منطقة اليورو ويعتبر بالتالي مغذياً للتضخم في المملكة ، أما وأن سعر الدولار قد أصبح مرتفعاً في مقابل اليورو فإن هذا سيساعد على الحد من التضخم على الأقل فيما يتعلق بأسعار السلع التي تستورد من منطقة اليورو ومن اليابان حيث إن سعر الدولار قد تحسن أيضاً في مقابل الين، بالإضافة إلى ذلك فإن الإبقاء على الارتباط بالدولار سيساعد على زيادة إيرادات الميزانية العامة للدولة ، وهذا يحد من المشكلة التي يتركها انخفاض الطلب على البترول وانخفاض أسعاره ، وأنا لا أتوقع أن فك الارتباط سيزيد من سعر الريال ، فلو حصل ذلك بمعنى لو أصبح سعر الدولار 3,50ريال في مقابل الدولار فإن فك الارتباط سيكون له أثر سلبي لأن إيرادات الميزانية ستكون أقل من نفقاتها وذلك سيعم بأثره المجتمع بأسره ، ولكن لو انخفض سعر الريال نتيجة فك الارتباط فإن الأثر على الميزانية قد يكون بالموجب ولكن لا نعرف إذا كان هذا الأثر الموجب يقابل الأثر السالب الناتج عن الاستيراد بأسعار أعلى في هذه الحالة . على المستوى الدولي .. ماذا تبقى على الدول الغربية فعله للخروج من هذه الأزمة المالية ؟ الدول الغربية اتخذت العديد من وسائل السياسة النقدية مثل تخفيض سعر الفائدة من أجل زيادة الطلب على القروض وتحريك القطاعات الاستثمارية من أجل عدم الانزلاق نحو الكساد ، أيضاً فقد استخدمت وسائل السياسة المالية باستخدام الميزانية من أجل دعم السيولة في البنوك التجارية والشركات المتعثرة ، وقد يكون من المهم استخدام المزيد من وسائل السياسة المالية عن طريق تخفيض الضرائب على الأفراد والشركات من أجل تحفيز الطلب الكلي حتى لا تنزلق بعض المؤسسات العملاقة مثل جنرال موترز نحو الإفلاس ، هذا إن لم تكن ترغب في مساعدة تلك الشركات بشكل مباشر ، ولكن وفي كل الأحوال ما هو مطلوب الآن هو التأكد من إعادة قوة الرقابة من قبل البنوك المركزية على البنوك التجارية التي كما ذكرت آنفاً توسعت في الإقراض واخترعت وطورت وسائل جديدة دون رقابة ما ادى إلى الأزمة . ولكن ألا يعد ذلك تدخلاً من قبل الحكومة في الاقتصادات الحرة ؟ ومتى كانت الحكومات بمنأى عن التدخل في الاقتصادات الحرة ؟!! ألم تستخدم الضرائب والإعانات للتأثير على حجم الاستثمار في قطاع دون القطاع الآخر ؟! ألم تستخدم الفائدة لتحفيز الاستثمار ؟!! ألم تقم الحكومات في الاقتصاديات الناشئة بإنشاء الشركات وبيعها بعد نجاحها للقطاع الخاص ؟! وماذا إن لم يكن هناك قطاع خاص فاعل هل نترك الاقتصاد في حالة جمود ؟ .. الحكومات كانت دائماً وأبداً موجودة بالتشريعات والقوانين وبالتدخل المباشر من أجل زيادة معدلات النمو وكذلك من أجل ضبط إيقاع الاقتصاد حتى لا ينزلق نحو التضخم أو الكساد . إلا أن ذلك يعتمد على مقدرة كل حكومة وما في يدها من أدوات تستطيع استخدامها في كل حالة على حدة . ولكن هل تؤيد تدخل الحكومة لتصحيح أوضاع سوق الأسهم السعودية ؟ نحن الآن نتحدث عن سوق الأسهم وليس سوق رأس المال الذي تعرض للأزمة العالمية ، وهذا موضوع مختلف ، فدخول الحكومة في سوق الأسهم يجب أن يبقى موضوعاً استثمارياً بحتاً ، فإذا وجدت الحكومة أن هناك جدوى من الشراء في بعض الشركات فهذا موضوع استثماري قد يستخدم من أجل الأجيال القادمة ، وهناك من يعارض دخول الحكومة في مثل هذه الأسواق بدعوى أنها عرضة للتقلبات وقد يعرض أموال الدولة للخسارة ، وعلى أية حال فلا يجب أن يكون تدخل الحكومة من أجل رفع قيمة الأسهم أو خفضها أو التلاعب في آلية السوق ، فسوق الأسهم يجب أن يبقى بعيداً عن مثل هذه التدخلات ويعتمد على الآلية كاملة أي قوى العرض والطلب التي تحدد وفقاً لمعطيات السوق ، وتدخل الحكومة لغرض رفع مؤشر السوق قد يؤدي إلى المضاربة وزيادة بعض الأسعار بشكل غير مبرر وقد يؤدي ذلك إلى تضخم في أسعار بعض الأسهم وستعود عاجلاً أو آجلاً إلى وضعها الطبيعي أي إلى قيمتها العادلة مرة أخرى ما قد يسبب خسائر أخرى لأفراد آخرين وثراء البعض على حساب البعض الآخر ، بهذا فإن دخول الحكومة لهذا الهدف قد يدخل السوق والحكومة في دوامة لا نهاية لها ، واعتقد أن انخفاض السوق عن حد معين لا بد أن يجذب المشترين المستثمرين وهذا كفيل لإعادة السوق لوضعه الطبيعي دون الحاجة لتدخل الحكومة إلا إذا رغبت الاستثمار طويل الأجل ووجدت أن هذا من مصلحة الأجيال القادمة .