تضرب ظاهرة الاختطاف بجذورها في عمق التاريخ وقد ازداد أثرها على المستوى الدولي بعد ظهور حركات التحرر وحروب العصابات، حيث سعى المختطفون من خلال وسائلهم إلى اللجوء إلى هذه الظاهرة للضغط والابتزاز ضد الدول والحكومات، وكأسلوب إرهابي، القصد منه في النهاية تنفيذ مطالب الخاطفين، والنزول على رغباتهم وإملاءاتهم. ولم يقتصر استخدام هذه الوسيلة البغيضة على الخارجين على القانون من الأقليات ذات الأطماع العدوانية، وإنما امتد أثرها ليشتمل على دول شاركت في عمليات الاختطاف من خلال أجهزتها الاستخباراتية، بهدف تنفيذ سياستها والوصول إلى مراميها غير الشرعية. وقد مرت عملية الاختطاف بتطورات متلاحقة بداية باختطاف الأشخاص وانتهاءً باختطاف الطائرات والسفن، حيث لم تكن السفن بعيدة عن استغلالها من قبل القائمين على عمليات الاختطاف، باعتبارها إحدى وسائل النقل البحري الهامة بالإضافة إلى ارتفاع ثمنها وما قد تحويه وتحمله على متنها مما يعطي للمختطف قدرة كبيرة ومرونة عالية في ابتزاز الطرف المستهدف من الاختطاف. وقد انتبه المجتمع الدولي منذ فترة بعيدة إلى أهمية صيانة وحفظ أمن وسلامة السفن عند إيجارها وأطلق على مختطفي السفن اسم "لصوص البحر" أو "قراصنة البحر". ووصف "هاكروث" لصوص البحر بأنهم أعداء الجنس البشري الخارجين على قانون العالم والذين يختارون مكاناً مشتركاً لجميع البشر كمسرح لجرائمهم. ونادى بحق أية دولة في القبض عليهم ومحاكمتهم. وأصبح القانون الدولي العرفي بعد ذلك هو المصدر الوحيد لقواعد القانون الدولي التي تنظم مسألة لصوص البحر، وجاءت اتفاقية جنيف للبحر التي تم التوقيع عليها في 29نيسان عام 1958، بثماني مواد خصصت جميعها لموضوع لصوص البحر (المواد من 14- 21). وعرفت الاتفاقية جريمة لصوصية البحر أو القرصنة في إطار المادة الخامسة عشرة منها على النحو الآتي: "تتكون جريمة لصوصية البحر من أي من الأفعال الآتية: 1- أي عمل غير شرعي من أعمال العنف أو احتجاز الأشخاص أو السلب يرتكب لأغراض خاصة ويقوم به طاقم أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة خاصة موجهاً: أ - ضد سفينة أو طائرة أخرى، أو ضد أشخاص أو أموال على متنها في البحار العالية. ب - ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو أموال في أي مكان آخر خارج الولاية الإقليمية لأية دولة من الدول. 2- أي مشاركة إرادية في إدارة سفينة أو طائرة مع العلم بأن السفينة أو الطائرة تمارس أعمال لصوصية البحر. 3- أي تحريض أو تسهيل عمدي لفعل من الأفعال المذكورة في الفقرتين الأولى والثانية من هذه المادة. وقد أكدت اتفاقية جنيف أيضاً في المادة الرابعة عشرة منها بأن على جميع الدول أن "تتعاون إلى أقصى حد ممكن لقمع أعمال اللصوصية في أعالي البحار أو في مكان آخر يقع خارج نطاق الاختصاص القضائي لأية دولة". وفي المادة التاسعة عشرة من ذات الاتفاقية ورد النص على حق كل دولة في أن تقوم بضبط أية سفينة تعمل في لصوصية البحار، كما يجوز لها أن تقبض على الأشخاص - لصوص البحر - وأن تستولي على الممتلكات الموجودة بها وأن تحاكمهم بعقوبات رادعة. وعلى ذات الدرب سارت اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار الموقعة في 30أبريل عام 1982والتي دخلت حيز النفاذ في 9ديسمبر عام 1984، حيث جاء بالمادة رقم 101من هذه الاتفاقية التأكيد على تعريف أعمال القرصنة بالشكل الذي ورد في اتفاقية جنيف والمشار إليه سلفاً. وفي المادة رقم 102تأكيد آخر على حالة تمرد طاقم أية سفينة أو ارتكابه عملاً من أعمال القرصنة وإجازت التدخل ضد هذه السفينة واعتبارها تمارس القرصنة. ومن خلال هذا النص يمكن أن نحدد شروط القرصنة كالتالي: 1- أن يكون الاحتجاز أو الاختطاف أو استخدام العنف غير مشروع وعلى ذلك إذا كان مشرعاً فلا يعد قرصنة مثل حالة الدفاع الشرعي. 2- أن يهدف لتحقيق أغراض خاصة. 3- أن يرتكب العمل طاقم أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة خاصة أو تمرد من قبل طاقم سفينة حربية أو عامة. 4- أن تكون أعمال القرصنة موجهة ضد سفينة أو طائرة في أعالي البحار. 5- أن يسيطر القراصنة على السفينة سيطرة كاملة وفعلية. ومن أشهر حالات الاختطاف التي أثارت ضجة كبرى حادثة اختطاف السفينة "سانتا ماريا" حيث استولى الضابط "Golvao" البرتغالي الجنسية في 23يناير عام 1961على سفينة ركاب برتغالية تسمى "Santa Maria" في عرض البحر ومعه حوالي سبعين من الرجال المسلحين. وأعلن المختطفون أنهم يعملون نيابة عن "حركة التحرر الوطني" التي كان يتزعمها الجنرال "Delgado" الذي عارض حكم الديكتاتور البرتغالي "Salazar". وقد قتل أحد حراس السفينة وجرح عدد من ملاحيها وتم في النهاية السيطرة على السفينة وإعادتها إلى البرتغال. ومن تلك الحوادث أيضاً حادثة اختطاف السفينة "أكلى لورو" "Achille Lauro" في 7أكتوبر عام 1985، والتي كان سبباً في توقيع اتفاقية دولية لحماية النقل البحري من الاختطاف، وهي اتفاقية روما الموقعة في 10مارس 1988والتي دخلت حيز النفاذ في 1مارس عام 1992، وبلغ عدد الدول الموقعة عليها 148دولة في عام 2008.@ عضو هيئة التحقيق والإدعاء العام