قبل سنين كان التعبير عن تطابق العمل يُقال له نسخة كربونيّة. ثم جاءت عبارة صورة ضوئية ، تلتها الأحدث وهي الأدق حتى الآن وهى "الصورة الرقميّة". الحديث اليوم عن مدبولي ومكتبته فى القاهرة. وتحدث المثقفون والعامة عن دوره وعلاقاته الثقافية والاجتماعية برجال القلم والفكر والطبع والنشر ، ولا تنقصه علاقة بديوان رئاسة الجمهورية... ! أيضا. وقيل إن صلاته مُقدّرة مع رقابة المطبوعات(يعرف عناصرها بأسمائهم) وتعرّف على المباحث وضباط السجن (تردد على السجن والتوقيف أكثر من مرة بقضايا نشر ، ولا غيرها). لعل الوراقين العرب يجعلون من تفانى هذا الرجل فى المهنة "نسخة رقمية". أقول إن نشر الكتب المثيرة للجدل ليست بالضرورة عمودا من أعمدة النجاح فى النشر والتوزيع. لا ولا الترداد على غرف التحقيق والسجون وكثرة الاستجوابات ، ففى عالمنا العربى هذه الأمور غير مستغربة ، وتعوّد عليها الناس، ناشرين وغيرهم، لكن المرحوم مدبولي زرع يُعجب القرّاء نباته ، و كذا الكتاب ، لأنه مخلص للمهنة ومكرّس جهده ووقته لها. موضوعي الذى أُريد أن أصل اليه هو أن الحاج مدبولي لم يصل الى شهرة استحقها بسبب علاقات أو معارف أو صلات بهذا أو ذاك أو تلك. أعتقد أنه اجتذب هذا الخلق الكبير من زبائن مكتبته ومريدى التواصل معه لأنه يعرف المهنة وتعرفه ويعرفهما الناس. الذين زاروه من السعوديين يقولون إنه لا يملك جهاز تسويق ، أو طاقم علاقات عامة ، أو موظفى سكرتارية لتحديد مواعيده ومقابلاته. تعج القاهرة بدور نشر ومكتبات بمداخل رخامية وطواقم استقبال وعناصر تسويق. لكن مكتبة مدبولي شيء آخر. يعرفها ويرتادها وينشر بواسطتها أسماء وقامات ثقافية فى التأليف والترجمة. لو أنصف أهل مصر بل ومثقفو العالم العربى هذا الرجل لشيّدوا باسمه جناحا فى معهد ذي صلة بالحرف والكتاب.