شدد خبراء في الصيرفة الإسلامية على أن مبادئها كانت لتجنب العالم حدوث أزمة مالية لو أنها طبقت في التعاملات، بدلا من مبادئ النظام الرأس مالي الذي يقبل المحرمات التي أدت في نهاية المطاف لحدوث أزمة مالية عالمية أصيبت على أثرها دول بالكساد الاقتصادي، واعتبر المشاركون أن للاقتصاد الإسلامي قدرة كبيرة لفرض نفسه كاقتصاد بديل في ظل الأزمة المالية، منوهين في ندوة أقامتها «الرياض» في مكتبها الإقليمي بمدينة الدمام إلى ضرورة أن تتبني دول إسلامية تمتاز بقوة اقتصادها كالمملكة العربية السعودية مبادرة إقامة مؤتمر يناقش أبعاد الصيرفة الإسلامية وإمكانية ظهورها كبديل في ظل الأزمة المالية الحديثة. وشارك في الندوة (هاتفيا) الدكتور سعيد مرطان الخبير في الصيرفة الإسلامية، والدكتور محمد القحطاني الخبير في الشؤون الاقتصادية، والأستاذ سعيد الخباز المستشار الإداري في مجال الموارد البشرية، وفي مقدمة الندوة استعرض الدكتور سعيد مرطان أسباب الأزمة المالية في شكل موجز، وقال: «لها أسباب كثيرة، فهي حصلت نتيجة أخطاء في السياسات المالية والاجتماعية والسياسية كأزمة الرهون، كما أنها دعمت التراكمات بالفساد وضعف الرقابة». أما الدكتور محمد الدليم القحطاني، فرأى أن من أسباب الأزمة تبييض الأموال، وأموال دعم الإرهاب التي انتشرت من دون رقابة أو قيد. موقف الصيرفة الإسلامية من الأزمة واعتبر مرطان أن الأزمة المالية العالمية جعلت الجميع يعيد النظر في منتجات الأزمة، ك»ما يجب أن نتجه إلى إبراز مقومات الصيرفة الإسلامية». وزاد «حاليا نحن أكثر ثقة من بها من أي وقت مضى، مضيفا «إن جميع الأسباب التي أدت للأزمة المالية تقع في خانة المحرمات في أساسيات الصيرفة الإسلامية»، مشير إلى تحريمات عدة، منها بيع الديون، المجازفة، الاحتكار، الربا، وأضاف «إذا كان هناك التزام بالمبادئ المصرفية الإسلامية لدى دول الغرب عموما لما حصل ما حصل». ثأثر الصيرفة الإسلامية بالأزمة ومرطان الذي طرح تساؤلات تخص مدى تأثر الصيرفة الإسلامية بالأزمة رأى في إجابته أن هناك تأثراً مباشراً، بيد أنه ليس كبيرا، وتأثر غير مباشر، وقال: «للأزمة انعكاسات مباشرة عبر التعامل المباشر مع مؤسسات مالية رأس مالية ترتبط بها بنوك إسلامية»، موضحا أن الشيء الجيد يكمن في عدم حصول تأثر مباشر قوي. وعن الرقابة التي رآها الدكتور محمد القحطاني كسبب في حدوث الأزمة قال الدكتور سعيد مرطان: «أقصد بالرقابة التي لم تكن تتوفر هي الرقابة في جانب الاستثمار لأن هناك ما يسمى بإضافة الأوراق، فهناك أوراق صنفت بشكل غالي في حين أن قيمتها أصولها الحقيقية ليست بنفس المستوى»، موضحا أن الرقابة التجارية لدى النظام الرأس مالي قوية جدا، وتساءل الزميل محمد الصفيان عن مدى تأثر البنوك الإسلامية مقارنة بالبنوك الأخرى، ورأى الدكتور سعيد مرطان أن التأثر كان أقل، معللا ب»أن البنوك الإسلامية لا تتعامل مع المحرمات مثيل بيع الديون ولذلك فهي لم تتأثر مباشرة». أما الدكتور محمد القحطاني فرأى أن البنوك الإسلامية ستشهد زيادة قدرها بنحو 20% الأمر الذي وافقه فيه مرطان، إذ قال: «كان نمو البنوك الإسلامية بطيئ في المنطقة الإسلامية لكن في أروبا يزداد الطلب عليها في الفترة الحالية، مشير إلى أن هناك قناعة متوفرة بها أكثر من السابق، كما أن الدول الأوربية تنظر لمبادئ المصرفية الإسلامية بعمق وتأمل. وعن النظرة لها عربيا قال: «بدأ المسؤولون العرب يعيدون النظر، فسابقا كان الاهتمام محدوداً، ويتحدثون عنها على استحياء، وفي هذا السياق اعتبر الدكتور محمد القحطاني أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تتخوف من النظام المصرفي الإسلامي، مشيرا لإغلاق مركز أبحاث عكف على دراسة المصرفية الإسلامية، وأضاف «علينا كدول خليجية أن لا نضخ أمولا في البنوك من دون أن تعتمد مبادئ الصرفة الإسلامية، خصوصا أن الغرب توجه لنا طالبا المساعدة». لا توجد معايير دقيقة للصيرفة وعن تساؤل وجهه الزميل منير النمر تعلق بالمعايير الدقيقة للصيرفة الإسلامية قال القحطاني: «بكل أسف ليست هناك معايير للصيرفة الإسلامية»، متسائلا كيف نضع الأدوات للغرب، ليجيب الدكتور سعيد مرطان بقوله: «إن عيب المنتجات الإسلامية يكمن في اسمها بالنسبة للغرب، وهذا يجعل المنتج الإسلامي فيه نوع من الحساسية، وحاليا توجد قناعة لحد كبير به أوروبيا، مبديا الخلاف مع الدليم في الشرط على العالم، وقال: «إن الأمريكيين يقولون أنهم ليسوا في حاجة لأموال الخليج إن جاءت بعقيدتها». وتطرق لتطور المنتجات المصرفية الإسلامية، منها المضاربة، ف»المشاركة أصبحت موجودة لكن ما يزال هناك نوع من التعتيم، ونحتاج للمزيد من نقد الذات وللمزيد من المؤسسات الخاصة بالبحث والتطوير في هذا الشأن»، منتقدا عدم وجود أنظمة للرقابة والإشراف على البنوك المركزية. وتساءل الزميل محمد الصفيان عن وجود تغيير في النظام المصرفي الإسلامي، وقال مرطان: «بالطبع لا لأن المصرفية الإسلامية لها مرتكزات ثابتة تمثل خطوطا حمرا، وهي تؤمن بعدم التعامل بالفائدة»، مستدركا «تقوم على المضاربات بأنواعها، وهو مجاز شرعا لكن تطبيقه محدود كما أن هناك الصكوك الإسلامية التي يُقبل عليها لأن لها أصول حقيقية». تخوف من تحول الصيرفة لمجرد أداة غربية من جانبه قال المستشار الإداري للموارد البشرية سعيد الخباز: «أخاف أن تكون الصيرفة الإسلامية هي إحدى أدوات الفكر المعاصر، وأن نسمي ما ليس هو»، موضحا عبارته ب»أن يكون واقع حال الصيرفة الإسلامية محاولة لتبرير ما هو واقع لنسميه إسلاميا لكنه يدور عمليا في فلك الرأس مالية»، مستدركا «إلا إن طورنا مجتمعنا ليعرف الفرق بين النظام المصرفي الإسلامي والنظام المصرفي الرأس مالي». أما الدكتور سعيد مرطان فرأى في هذه النقطة أن التفريق يجب أن يبدأ بالتفريق بين البنوك الإسلامية والصيرفة الإسلامية، موضحا أنه يتفق مع تحليلات الخباز التي وصفها ب»الرصينة»، وأضاف «إن تعاملات البنوك تختلف من بنك لآخر»، مشددا على أنه لا ينزه البنوك الإسلامية عن الخطأ لأنها مؤسسات يديرها أفراد قد يخطئون في إشارة إلى الاتفاق الضمني مع الخباز بهذا الشأن والكامن في تحول البنوك الإسلامية لربوية علما أنها تحمل مسمى إسلامي. وردا على تساؤل تعلق بالحاجة الماسة لصناديق الاستثمار الإسلامية، والذي قدمه الدكتور محمد القحطاني، قال مرطان: «إن المملكة خطت جيدا في البنوك الإسلامية، وآمل أن تستمر وأن نجد البلاد هي التي ترعى هذا التوجه»، مشيرا لشركات عدة في هذا المجال، بيد أنه استدرك بقوله: «تأخرنا كثيرا في الصيرفة الإسلامية، وآمل أن نسارع خطانا لنحققها ونفرضها»، مضيفا «حان الوقت لطرح الصيرفة الإسلامية عالميا، فالأزمة المالية فرصة لنا. كيفية بناء الاقتصاد الإسلامي وتطرق الدكتور سعيد مرطان إلى أن الاقتصاد الإسلامي لا ينشأ فرديا، بل جماعيا، متفقا بذلك مع رؤية قدمها المستشار الإداري سعيد الخباز، وقال: «أتفق مع الخباز فيما يخص التسمية (إسلامية) فهي حساسة للغرب، كما أن نشوء اقتصاد إسلامي يقوم على أسس من ناحية الملكية وحرية السوق لا بد أن يستفيد من القاعدة الإسلامية أن الأصل في الأشياء الإباحة»، مشددا على تدخل ولي ألأمر في حال نشوء أزمات اقتصادية، وهذا عكس المدرسة الرأس مالية، وهو ما حفز الدكتور محمد الدليم على طرح تساؤل تعلق بصحة تغيير التسمية ليصبح اسمه «النظام التكافلي»، وقال مرطان بهذا الصدد: «أفضل عدم إطلاق الأسماء، بيد أن الضروري يكون في الروح الإسلامية والبعد عن الغش والدجل الاقتصادي والحيل الماكرة التي تسلب المستثمر حقه». ندوة «الرياض» بداية لمؤتمر ورأى الدكتور محمد القحطاني أن الندوة ينبغي أن تكون بداية لمؤتمر تتبناه «الرياض»، وأضاف «إن العالم يتسارع والعولمة أصبحت بيتا واحدا، ونحن نعيش في وقت تسابق تكنولوجي، وهذا يجعلنا نفكر سريعا من خلال تعمد الجامعات ومراكز الأبحاث لتقوم بما يكمن عمله تجاه الصيرفة الإسلامية». أما الأستاذ سعيد الخباز فشدد أن على الإعلام عامة مسؤولية كبرى، منتقدا إياه ب»أنه الذي أوصلنا إلى هذه النقطة، خصوصا أن لم يسمي الأشياء بأسمائها»، ضاربا المثل بما حدث في سوق الأسهم السعودية، وقال: «سمى الإعلام ما يحصل بالمضاربة وهذا غير صحيح، فالمضاربة تعني أن يقوم فرد بجهد فيما يدعم الآخر ذلك الجهد بالمال، وهذا ليس متوفرا، داعيا «الرياض» لتهيئة الجمهور لثقافة اقتصادية تمكن المجتمع من التفريق بين المصرفية الإسلامية وغيرها. مساهمة اقتصاد البلاد في جذب الاستثمار وتساءل الزميل محمد الصفيان عن مدى مساهمة اقتصاد البلاد في جلب الاستثمارات للداخل علما أنه يقوم على مبادئ إسلامية، وقال الدكتور سعيد مرطان: «لا استطيع أن أسميه بالإسلامي لأني أتحفظ على التسميات، ولأن الأصل في الأشياء الإباحة»، مثنيا على حجم التسهيلات التي تقود بها البلاد، ف»هي التي تساهم في شكل أساس في جلب الاستثمارات لنا»، وأضاف «ينبغي أن نسعى للحد من البيروقراطية، ولأن الأصل في الأشياء الإباحة»، مثنيا على حجم التسهيلات التي تقود بها البلاد، ف»هي التي تساهم في شكل أساس في جلب الاستثمارات لنا»، وأضاف «ينبغي أن نسعى للحد من البيروقراطية»، مشيرا إلى أن المملكة جذبت الاستثمارات لها بسبب وجود اقتصاد منفتح وبه ميزات كنظام تحويل الأرباح. أما الأستاذ سعيد الخباز فتحفظ على التركيز على جلب الاستثمارات، وقال: «لا ينبغي أن يكون هدفنا الأساس جلب الاستثمار كما كانت الحال في فترة الثمانينات مع التأميم»، مشيرا إلى خطورة جلب الاستثمار الأجنبي على الاقتصاد الوطني، ما حفز مرطان على الرد، إذ قال: «لم أكن أتحدث بصفة عامة، إذ لا بد أن توضع المعايير القوية لجلب الاستثمارات وذلك للتقنين، كما أن تلك المعايير يجب أن تناسب ثقافتنا الإسلامية». من جانبه رأى الدكتور محمد القحطاني أن عدم وجود نظام إسلامي اقتصادي يعود لعدم وجود الدراسات في هذا المجال، مطالبا البنك الإسلامي للتنمية بدعم البحوث الرامية لوضع أسس لهذا النظام. ماذا تحتاج الصيرفة الإسلامية وتطرق الزميل محمد الصفيان لمحور تعلق باحتياج الصيرفة الإسلامية، وقال الدكتور محمد القحطاني: «تحتاج لتوقولب نفسها، وأن تبرز اليوم، وأن تضع برنامجها بشكل واضح كي يقتنع به العالم الذي يعد حاليا في أمس الحاجة لنظام اقتصادي بديل». وعن تساؤل وجهه الزميل منير النمر بشأن الوقوف الحالي للدول الإسلامية والنظرة نحو المستقبل قال القحطاني: «إننا نناشد قادة البلاد الإسلامية للتوجه لهذا النظام الاقتصادي الإسلامي كي ننطلق نحو المستقبل»، مضيفا «إن نظامنا الاقتصادي الإسلامي في الوقت الحالي ما يزال في مرحلة المد، وليس لدينا نظام لأننا لا نملك قوة بنكية»، مستدركا وضع العالم الاقتصادي اليوم يساعد على قيام المصرفية الإسلامية»، مشددا على أننا لن نستطيع أن نقيم نظاما اقتصاديا إسلاميا ما لم نقضِ على البيروقراطية التي تضع عوائقا شتى، ضاربا لتوحد الاتحاد الأوربي على رغم اختلاف ثقافته. أما الأستاذ سعيد الخباز فرأى أن المرحلة القادمة تحتاج إلى معرفة حجم التحديات التي نواجهها اليوم على الصعيد الاقتصادي، مشير إلى أن الوطن العربي يحتاج إلى 100 مليون وظيفة خلال ال10 سنوات القادمة، فيما تحتاج المملكة إلى توفير 8 مليون وظيفة لنفس المدة، وأضاف «أنه تحدي اقتصادي كبير تواجهه البلدان». توصيات الندوة بحث إمكانية تبني حكومة المملكة لإقامة مؤتمر عالمي تجتمع فيه الدول الإسلامية وغيرها لمناقشة الصيرفة الإسلامية. تطوير نظام المراقبة على البنوك الإسلامية، ويكون ذلك عبر البنوك المركزية. وجود نظام مالي موحد على مستوى الدول الإسلامية. تعزيزي آلية التعاون بين البنوك الاجنبية والعربية، ولا بد من تبادل الأفكار والخبرات، وهو جزء لا يتجزأ من عملية الحوار التي يمثل الاقتصاد إحدى أهم دعائمها. دعم المؤسسات الإعلامية كافة للصيرفة الإسلامية عبر إنشاء مراكز بحوث، كما يجب فتح المجال لمراكز أبحاث مستقلة. أن تتبنى المؤسسات الاقتصادية في المملكة الصيرفة الإسلامية، وأن تدعم البحوث والدراسات المتعلقة بها. توجيه بنشر وعي اقتصادي إسلامي من خلال نشر البحوث والدراسات في وسائل الإعلام المختلفة التي تستطيع أن تصل إلى القارئ العربي. دعوة الجامعات في دعم مناهج وبرامج النظام الاقتصادي الإسلامي ومراكز البحث العلمي .