ولما قضينا من منى كل حاجةٍ ومسّح بالأركان من هو ماسحُ وشدت على حدب المهاري رحالنا ولا ينظر الغادي الذي هو رائحُ أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطيّ الأباطحُ نسبت الأبيات لعقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى. وأذكر استحسان أستاذ اللغة العربية، في دراستنا الثانوية للبيت الثالث وما فيه من الاستعارة البليغة. قديما كانت تلك هي الصورة. الركب يسير مرتاحا. ومسرورا (لاحظوا أحاديث الشوق العادية) بعد أداء الشعيرة. تماثلها الآن - لو جاء بالوصف شاعر معاصر - منّة الله على العباد في هذا الوطن الحبيب بنعمة الأمن، فبعد أن كانت طريق الحج مرصداً لقطاع الطرق واللصوص، ومهلكة لا يخرج منها إلا القليل، عادت في هذا الزمن المأمون طرقا سلسة آمنة، وافرة الرعاية والخدمات والمنافع وزالت الشقة التي كان الحاج يحسب حسابها، ذاهبا آيبا مقيما محلا محرما. آتي إلى العنوان الذي اخترته لزاوية اليوم. فعبارة "حجة ملساء" قد لا تكون معروفة ولا مستعملة عند الكثير من العامة. لكنني متأكد أنني سمعت أكثر من سرد يوردها. فقد كررتها على مسمعي فاضلة من أهل بيتنا، يرحمها الله. ولم تكن لتوفّر فرصة يُتاح لها فيها الحج، وتستطيع إليه سبيلا، إلا واستفادت من تلك الفرصة، بدءاً من الإبل (عشرون يوما من القصيم إلى مكة ذهابا ومثلها في الإياب، مرورا باللواري (ثلاثون راكبا أو أكثر) وصولا إلى "الوانيت" الخصوصي، الذي تيسّر لها مجانا للحج، مع خدم ومؤونة، من إخوانها التجار خارج المملكة. ربنا لا يحرمهم دعاءها. لكنها يرحمها الله لا تقنع بغير الاكتمال. فالحجة لا تكون "ملساء" في نظرها إذا اعتراها عراقيل في السير والمسرى. أوفي ضياع لها أو لمن معها بين الخيام، واللجوء الى المساعدة. وقالت إحدى مرافقاتها في حجة إنها فقدت سجادة صلاتها، وباخلها طبعة مصحفها المفضل، وضاق صدرها، وخوفا أن لا تكون تلك الحجة "ملساء" في نظرها أفهمها قريب لها - من طلبة العلم - أن المشقة والسبر عليها مثوبة، وطريق قبول. الحمد لله تكاد تكون نسبة الرضا هذه السنة بين الحجاج ورجال الخدمات 100%.