إنّها عواطف الروح ينطلق قطارها يعبر القرون والآفاق محمّلاً بمشاعر إيمانيّة تنظر إلى قوله تعالى: “فاجعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم”؛ فهذا البيت الحرام، وهذه الأرض المباركة لها عشّاق ومحبّون، يجذبهم لها الشوق، ويسوقهم لها الحنين، وتهفو أفئدتهم لها كلّ حين.. ولكن هذا وذاك يزداد في مواسم معينة؛ منها شهر رمضان، وشهر ذي الحجة، حيث يؤدّي المسلمون الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو الحج، ومعناه في اللغة القصد، حيث يتوجّه المسلمون إلى الديار المقدسة في جزيرة العرب: إليك إلهي قد أتيت ملبّيا فباركْ إلهي حجّتي ووداعيا قصدتك مضطرًا وجئتك باكيًا وحاشاك ربّي أن تردّ دُعائيا ويقول أحمد شوقي: على كلّ أفق بالحجاز ملائك تزفّ تحايا الله والبركات لك الدين يا ربّ الحجيج جميعهم لبيت طهور الساح والعرصات أرى الناس أصنافًا ومن كلّ بقعة إليك انتهوا من غربة وشتات ويقول البرعي: يا راحلين إلى منى بقيادي هيّجتم يوم الرحيل فؤادي سرتم وسار دليلكم يا وحشتي الشوق أقلقني وصوت الحادي تا الله ما أحلى المبيت على منى في ليل عيد أبرك الأعياد ويقول ابن القيم في منظومته الشهيرة: أما والذي حجّ المحبّون بيته ولبّوا له عند المهلّ وأحرموا دعاهم فلبّوه رضى ومحبّة فلمّا دعوه كان أقرب منهم وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبة ولم تثنهم لذاتهم والتنعم يسيرون من أقطارها وفجاجها رجالاً وركبانًا ولله أسلموا وقطار المشاعر الإيمانية يحمل الكثير من الأبيات والقصائد التي تحكي مواقف ومشاهد ترصد رحلة العشّاق المحبّين إلى أوّل بيت وضع للنّاس، وكيف فارقوا الدار والديار والأهل والوطن استجابة لنداء أحبّ إلى قلوبهم ممّا سواه، وحين يعبر قطار المشاعر صفحات التاريخ فإنّه يستلهم الطاقة الكامنة في تجارب المسلمين السابقين الذين قطعوا المسافات من أقاصي الأرض إلى بيت الله العتيق تحملهم ألفاظ التكبير والتهليل والتلبية قطارًا قطارًا، تقودهم مشاعر الإيمان، وتسوقهم الرغبة في العفو والغفران والرضوان حتّى إذا قضوا حجّهم وأوفوا نذورهم، لم تقيدهم حبال التشدّد؛ بل تجدهم متصالحين مع الحياة وفطرة الإنسان: ولمّا قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطي الأباطح وربّما تفكّهوا، وروّحوا عن القلوب بمثل قول الشاعر: تمام الحج أن تقف المطايا على الحسناء واضعة اللثام