صاحبي الحميم ذو القلب الطيب والذي لا أخالة يقل بحال عن بياض قالب الثلج.. فيه كثير من الشهامة والمروءة والكرم والنخوة والصدق والتلقائية.. لو قصدته في ليلة حالكة السواد فلن يردك خائبا لا تلوي على شيء وإنما سيبذل المستحيل كي يتجمل معك.. وقد يحرج نفسه مع الآخرين من أجل عينيك!! يعني ابن بلد بحق وحقيق.. أو كما يقال "سنافي".. وحمال أسية من الطراز النادر. هذا الصاحب الشهم وجدته كما هو مذ تركته قبل سنوات.. فرقت بيننا الليالي والأيام رغم بقاء الود والمحبة التي لم تغيرها السنون أو تمحوها من الذاكرة.. هو هو في جلسته وهيئته.. وابتسامته.. وإشراقته.. ونقاء سريرته.. وحتى روتينه اليومي الذي لا يتبدل ولا يتغير حاله حال الكثيرين من أبناء هذا البلد الكريم.. وطيبتهم الفطرية.. وعاطفتهم الجياشة والتي جعلتهم مطمعا لكل محتال.. ومقصدا لكل عيار. يروي لي صاحبي قصته مع ذاك الجار الجديد الذي سكن الحارة بلسانه الحلو الذي يقطر عسلا.. وابتسامته الساحرة التي تأخذ بالألباب.. وعيونه الجذابة والغامضة في ذات الوقت.. و"سواليفه" التي لا تمل.. وتمكنه المذهل من صناعة الشهامة والكرم والنخوة.. ومداخلا ته التي لا تخلو من الجرأة.. وكيف أنه قد تمكن وبدهاء خارق من الإيقاع به بعد عدد من العمليات التي رتبها بعناية فائقة. ويردف قائلا : لقد بدأ تلك العمليات باستدراجي إلى منزله.. وجلسة قهوة ثم عشاء.. و"تلزيم" وبعد ذلك طرق باب منزلي ليلا وطلب مني ألف ريال على وجه السرعة على أن يعيده لي في أقرب وقت فوافقت كعادتي في مثل تلك المواقف "التراجيدية".. وناولته الألف فأخذه ولسانه يلهج بالدعاء وعبارات الشكر التي لم أسمع لها مثيلا في حياتي. بعد ثلاثة أيام فقط طرق الجار المستدين بابي وبعد السلام ناولني نقودي مع الشكر والثناء وعندما قلت له أن الأمر"لا يستأهل" والدنيا لن تطير.. ولما الاستعجال رد علي تعرف يا أخي العزيز الدنيا حياة وموت.. وما عندي أهم من إبراء ذمتي.. عندها انفرجت أسارير وجهي وقلت في نفسي "الحمد لله الدنيا لازالت بخير".. ودعته ودخلت إلى منزلي فرحا مسرورا.. وأنا لا أدري ماذا تخبئ لي الأقدار!. بعد شهر واحد فقط زارني الجار الوفي فرحبت به كما لم أرحب به من قبل.. وبعد أن جلسنا ذكر لي أنه يشعر باستحياء شديد مني.. فهونت عليه وبطيبتي قلت له نحن أخوان وكلنا لبعض.. ويبدو أني قد أعطيته الفرصة التي كان ينتظرها!! والضوء الأخضر الذي يبيح له تجاوز كل التقاطعات فبادرني وبلغة لا تخلو من الدهاء قائلا أنا بحاجة لعشرة آلاف ريال وسأردهم في أقرب فرصة ممكنة.. ولأن تجربته السابقة مشجعة للغاية لم أتردد وناولته المطلوب دون أدنى تفكير.. وغادر فورا محملا بنقودي.. ومنذ ذلك الوقت الذي تجاوز الخمس سنوات وهذا الشخص يماطل ويتهرب وفي آخر الأمر أنكر المبلغ الذي لا أملك أي ضمانات عليه جملة وتفصيلا. ما حدث لصاحبنا الطيب يتعرض له الكثيرون في حياتنا اليومية.. ولا تستغرب حين يدخل عليك أحدهم وهو بكامل أناقته ويطلب منك الإصغاء له ليروي لك حكايته وكيف أن السبل قد تقطعت به ويحتاج منك الوقوف معه ومد يد المساعدة له ليتجاوز محنته المؤقتة والتي حلت به نتيجة الظروف السيئة كضياع حقيبته.. أو تعطل سيارته وهو قادم من مدينة أخرى.. والكثير من الحيل والأساليب التي يبتكرها أولئك المحتالون لابتزاز أصحاب القلوب الطيبة.