أذكر أنني كتبتُ - قبل عشرة أعوام تقريباً - مقالاً عن التصور الفيزيائي للذرة في التراث الإسلامي. وقد أوردت حينها أنموذجاً لموهبة الإلهام التي يتمتع بها علي بن أبي طالب حين قال: "إذا فلقت أي ذرة وجدت في قلبها شمساً".. وقلت حينها إن هذا الوصف الدقيق استشهد به العالم الأمريكي جون أونيل لإثبات أن التركيب الذري كان معروفاً في الحضارات القديمة (وذلك في كتابه: قصة الذرة)! .. وفي المقابل لاحظت - منذ زمن بعيد - أن مراجع علم النفس العربية تمتلئ بقصص ونماذج (غربية الطابع والمنشأ) عن الحاسة السادسة والظواهر النفسية الخارقة رغم أن تراثنا الإسلامي يمتلئ بقصص مشابهة كتصريح علي عن الذرة.. ومن المواقف العجيبة التي تروى عنه أنه تحدث يوماً عن قوم سيأتون إلى المدينة فوصف حالهم وموعد حضورهم فقال رجل من كليب: "لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب".. فضحك علي وقال: يا أخا كليب ليس علم الغيب إنما تعلم من ذي العلم!! أما عمر رضي الله عنه فما قال شيئاً وقال الناس شيئاً إلا نزل القرآن موافقاً لما قال؛ وقد شهد له المصطفى صلى الله عليه وسلم بالموهبة الخارقة حين قال: "إنه كان فيما خلا قبلكم من الأمة ناس محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر بن الخطاب" رواه البخاري - والمحدث هو الملهم يلقى الصواب في روعه! ومن حوادث التخاطر - التي سبق أن استشهدت بها - حين خطب بالناس الجمعة ثم توقف فجأة وقال: "يا سارية بن حصن.. يا سارية بن حصن.. الجبل الجبل ومن استرعى الذنب ظلم". ولم يفهم المصلون معنى كلامه حتى سأله علي بن أبي طالب: ما هذا الذي ناديت به؟ قال: أو سمعته؟ قال: نعم أنا وكل من في المسجد. قال عمر: وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا (بقيادة سارية بن حصن) وركبوا أكتافهم وإنهم يمرون بجبل فإن احتموا به ظفروا وإن جاوزوه هلكوا فخرج مني هذا الكلام. وبعد شهر جاء البشير من جيش سارية وأخبرهم أنهم في ذلك اليوم سمعوا صوت عمر مجلجلاً يقول: يا سارية بن حصن الجبل، الجبل، فعدلنا إليه ففتح الله علينا!! أيضاً من نماذج الإحساس الخارق ما كان يتمتع به عثمان بن عفان رضي الله عنه من صدق الفراسة؛ فقد كان يوماً بين أصحابه فدخل عليه رجل فتغير وجهه وقال "يدخل علي أحدكم والزنا بين عينيه" فذهل الرجل وقال: "أأوحي بعد رسول الله؟ فقال عثمان: لا، ولكن فراسة صادقة!! .. وفي الحقيقة كنت أنوي إيراد قصص أخرى مماثلة من خارج عصر الصحابة لولا ضيق المساحة.. ولكن يمكن القول عموماً إن فراسة الصالحين تأتي كتطبيق حي لأحاديث نبوية كثيرة تحدثت عن فراسة المؤمن مثل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" و"إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم" وأيضاً "إن لكل قوم فراسة وإنما يعرفها الأشراف (يعني المؤمنين)".