في ظل الانفتاح المتنامي على الأسواق العالمية وما تنطوي عليه من أجواء تنافسية يزداد الاهتمام العالمي بالتنمية المستدامة وتعظيم العائد الاقتصادي من الموارد الطبيعية لكل بلد.. وعلى إثر ذلك الاهتمام عقدت المؤتمرات المحلية والقطرية والدولية وكان لإنتاج الغذاء والاستفادة المثلى من مصادر الماء قسطاً وافراً من الاهتمام، تساوى في ذلك كل من لديه وفرة في مقومات إنتاج الغذاء ومن يعاني من نقص في واحدة أو أكثر منها. لقد كانت التغيرات المناخية المتعاقبة خلال السنوات الماضية من أبرز الأسباب التي دعت إلى هذا الاهتمام العالمي. فالانحباس الحراري وشح الأمطار والسيول الجارفة وانحسار الأراضي الزراعية وانتشار أنواع مختلفة من الأمراض الفيروسية والفطرية كانت بمثابة ناقوس إنذار لعالم يزداد عدد سكانه وتتنامى احتياجاته من الغذاء والماء. ولعل ما يعاني منه الفقير والغني من لهيب الأسعار ما هو إلا محصلة لهذه الظواهر. هذا ما استهل به حديثه الدكتور عبدالله الثنيان الخبير الاقتصادي ومدير عام الشركة العربية لتنمية الثروة الحيوانية في حديث خاص ل«الرياض». وتشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة إلى أنه بحلول عام 2030م سيعاني بلد ما من كل خمسة بلدان من شح فعلي في المياه.. وهناك تقارير تحذر من أن تناقص الموارد المائية يهدد بإنخفاض الغذاء في العالم بنسبة 10%. كما أن العلاقة بين نقص الغذاء والفقر وسلامة الأبدان وإنتاجية الفرد ونهضة المجتمع لا تحتاج إلى بيان وفي جميع هذه الحالات لا تكون وفرة الماء وجودته أو حسن إدارته بمعزل عن هذه المعادلة المتشابكة الأطراف. يضيف الدكتور الثنيان قائلاً: لطالما كانت جودة الماء ونصيب الفرد منه دليلاً على حضارة ورقي الشعوب.. محلياً تصنف المملكة العربية السعودية ضمن مجموعة الدول الفقيرة في مواردها المائية ورغم ذلك فإن حوالي 95% من السكان يستهلكون مياه نقية وهو معدل يفوق نظيره في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي يبلغ فيها هذا المعدل 88% كما يفوق نظيره في الدول ذات الشريحة العليا من الدخل حيث يبلغ حوالي 90%. وعلى المستوى الفردي فإن متوسط الاستهلاك اليومي للفرد في المملكة يقدر بحوالي (230) لتراً وهو معدل مرتفع مقارنة بالمعدلات العالمية القياسية التي تراوح بين (150) و(200) لتر للفرد يومياً. وعلى المستوى الإنتاجي فقد حقق الإنتاج الزراعي معدلات من الاكتفاء الذاتي في عدد من المنتجات تفوق نظيرتها في العديد من الدول ذات الموارد المائية الوفيرة فقد حققت المملكة اكتفاءً ذاتياً يقدر بحوالي 107% من الحليب وحوالي 106% من بيض المائدة وحوالي 65% من فروج اللحم وحوالي 56% من الفاكهة و58% من الخضروات. كما حقق القطاع الصناعي نهضة كبيرة في العديد من الصناعات دخلت بها المملكة مجال التصدير منافسة نظيراتها سعراً وجودة. وتشير الإحصائيات إلى أن الجزء الأكبر من الماء يستخدم في الأغراض الزراعية يليها في ذلك الأغراض البلدية ثم القطاع الصناعي بنسب 86.5%، 10.4%، 3.1% على التوالي وفق تقديرات عام 2004م. وإن كانت نسبة ما يستخدم في الأغراض الزراعية يماثل نظيره في القارتين الآسيوية والافريقية (86%)، إلا أنها تعد عالية مقارنة بباقي العالم (70%) وأوروبا (24%) وأمريكا الشمالية (47%). وفي ظل تزايد أهمية استراتيجية الماء كونه شريان الحياة فقد أصبحت العوائد الاقتصادية من أوجه استخداماته المختلفة موضع تقييم دائم ومستمر، حسابياً يحقق القطاع الزراعي عائداً مالياً أقل كثيراً من القطاعين الصناعي والبلدي، حيث يمثل العائد من الإنتاج الصناعي خمسة أضعاف المحقق من القطاع الزراعي كما يزيد المحقق من القطاع البلدي بحوالي 50% عن نظيره الزراعي، ومع ذلك فإن الأنشطة الزراعية تتباين في مقدار العائد الذي تحققه فبعضها يضاهي تلك المحققة من الأنشطة الصناعية ومثال ذلك الخضروات التي تزرع في البيوت المحمية. وكما نعلم فإن المصدر الرئيسي للمياه في المملكة يتمثل في المياه السطحية والجوفية التي خزنت خلال العصور المطرية منذ آلاف السنين تحت سطح الأرض في صخور تتباين أعماقها بين عدة أمتار وآلاف الأمتار، ومياه هذه المصادر غير قابلة للتجديد. لقد دعمت حكومة خادم الحرمين الشريفين مصادر المياه الجوفية بمصادر إضافية تمثلت في محطات تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي ومياه الصرف الزراعي الأمر الذي ساهم كثيراً في ما يلمسه جيلنا الحالي من نهضة زراعية وصناعية شاملة دون المساس بمتوسط الاستهلاك اليومي للأفراد من المياه النقية التي تتفوق فيها المملكة كثيراً عن غيرها من الدول المتقدمة.ان مخزون المياه الجوفية ليس حكراً على جيل دون آخر خاصة وأن هذه المياه غير متجددة كما ان تحلية المياه المالحة كلفتها عالية وأن عدد سكان المملكة في تزايد ويصبح الخيار الأمثل دينياً وحضارياً هو ترشيد استخدام مواردنا المائية المختلفة. ولقد وضعت الجهات المختصة الخطط اللازمة لتخفيض كمية المياه المستخدمة في الأغراض الزراعية بحلول عام 2009م بحوالي 16.1% مقارنة بعام 2004م وفي مقابل ذلك سيزيد الاستهلاك الصناعي بحوالي 20.3% والاستهلاك البلدي بحوالي 14.3% على التوالي خلال نفس الفترة. ومما لاشك فيه ان ما انتهجته المملكة من سياسات رشيدة حول تقنين زراعة بعض المحاصيل كالقمح والشعير والأعلاف الخضراء سيساهم كثيراً في الحفاظ على ثروتنا المائية.. كما ان ادخال التقنيات الحديثة في نظم الري والزراعة والحصاد ساهم هو الآخر في ذلك الشأن. ولعل زيادة انتاجية وحدة المساحة خلال الفترة مابين عامي 2003م - 2007م بحوالي 20.1% مقارنة بعام 3002م ورغم ذلك لم يتأثر سلباً اجمالي الإنتاج من الحبوب المختلفة. ويعد ذلك امراً ايجابياً. ووفقاً لتقديرات منظمة الأغذية فإن الإنتاجية في انتاج الأغذية بنسبة 1% فقط تسمح نظرياً وعلى الأقل بتوفير 24 لتراً اضافياً من الماء في اليوم للفرد الواحد، اليس ذلك بالأمر الجدير بالاهتمام.هذا من جانب قطاع الإنتاج الزراعي ويبقى دور ثاني القطاعات الأكثر استهلاكاً للمياه وهو القطاع البلدي وبنسبة حوالي 10.4%.. والذي يطالب هو الآخر بترشيد جاد في حجم استهلاكه من الماء خاصة وأن ما يخص الفرد يومياً في المملكة يفوق المعدلات القياسية، وبتصنيف اوجه الاستخدام اليومية المختلفة نجد انه لا مناص من قيام الأفراد بدور في هذا العمل الحيوي. فما يخصص للشرب وتجهيز الطعام اليومي يقدر بحوالي 8.5% فقط بينما ما يستخدم لأغراض الاستحمام وطرد الفضلات فيقدر بحوالي 85%... الا يبدو ذلك أمراً خطيراً خاصة اذا عرفنا ان ما يقارب من ثلث (30.4%) من الماء المستهلك في القطاع البلدي يأتي من المياه السطحية والجوفية وأن باقي الكمية حوالي (68.8%) يأتي من محطات تحلية المياه المالحة، وأنه من المخطط زيادة طاقات محطات التحلية ببلوغ عام 2009م الى حوالي (1650) مليون متر مكعب ماء بنسبة زيادة حوالي (54.2%) عن عام 2004م مما يعني المزيد من الاستثمارات في هذا المجال.ومما لاشك فيه أن زيادة الوعي الثقافي سيجعل امر ترشيد الاستهلاك البلدي من الماء أمراً ميسوراً أكثر من ذي قبل خاصة اذا ما وفرت الجهات ذات العلاقة الوسائل التي تساعد الأفراد على ذلك وروجت تسعيرة المياه للشرائح والأنشطة المختلفة. ويبقى دور القطاع الصناعي والذي يحتل المرتبة الثالثة من حيث حجم الاستهلاك (3.15%). فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن معظم مصانع إنتاج الغذاء تستخدم مابين (1 - 7) لترات من الماء لإنتاج كل كيلو واحد من الغذاء معظمها يذهب في عملية الغسيل والشطف، كما أن تجهيز كل فروج لحم يحتاج الى حوالي 10-15 لترا من الماء، ناهيك في ذلك عن الصناعات الخفيفة والثقيلة التي تستهلك هي الأخرى كميات لا بأس بها من المياه لذا فإن القطاع الصناعي هو الآخر عليه دور في ترشيد استخدام المياه، وهناك من التقنيات الحديثة ما يساعده في معالجة المياه وإعادة استخدامها وطرق اخرى لتقليل الهدر في المياه سواء خلال عمليات النقل او الاستخدام. ان توفير أي قدر من الماء سوف يوجه الى اغراض اخرى زراعية وغذائية، خاصة ونحن مطالبون بغضون عام 2020م اى زيادة انتاج المملكة من فروج اللحم بنسبة 51.3% وبيض المائدة بنسبة 23.3% والحليب بنسبة 28%، وجميعها يحتاج الى الماء الذي هو عنصر أساسي في تكوينها، حيث يشكل الماء 87% في الحليب، 74% في بيض المائدة، 72% في لحم الفروج، 85% في ثمرة البرتقال 95% في ثمرة الطماطم وهذه أمثلة قليلة لأنواع من غذائنا اليومي الذي يمد أجسادنا ودماءنا بجزء من الماء الذي يشكل حوالي 65% منه.. لذا وصف الماء بأنه شريان الحياة والذي بدونه لا توجد حياة. ان في سقوط الأمطار بقطراته الصغار عبرة كبيرة فما جاءت كبريات الأنهار الا من تراكم هذه القطرات لذا فإن ما يتم توفيره من ماء هنا وهناك سوف يكون في مجموعة كبيراً حجماً وعملاً.