لا شك أن للبث الفضائي الذي غزانا من كل حدب وصوب وكذلك الأفلام المسجلة على أشرطة الفيديو أو أشرطة الكمبيوتر بالإضافة إلى استخدام الإنترنت إيجابيات ظاهرة لا يمكن إنكارها وبنفس الوقت هناك سلبيات غير محدودة تقلب المفاهيم وتربي النشء على أسس غير سليمة خصوصاً أننا نعلم أن بعض ما يبث يدخل ضمن العملية التجارية لهذه المحطة أو تلك بالإضافة إلى إضاعة الوقت الطويل أمام أفلام الكرتون التي يقضي أمامها الأطفال منذ سن مبكرة جداً جل وقتهم دون فائدة تذكر ناهيك عن اكتساب بعض أنواع التصرفات والأخلاقيات غير المرغوبة خصوصاً أن أغلب تلك الأفلام صنعت من قبل ثقافات مغايرة ولم يقتصر الأمر على أن يكون إحدى فقرات البث التلفزيوني من هذا النوع بل تعداه إلى إنشاء محطات فضائية متخصصة في بث أفلام كرتون مثل محطة نغمة الفضاء space toon وغيرها التي يقضي الأطفال وكثير من الشباب والشابات حتى سن الثانية عشرة أو أكبر أغلب وقتهم في مشاهدتها إلى درجة أن ذلك قد يعطلهم عن أداء واجباتهم والتزاماتهم الأسرية والمدرسية والاجتماعية. وفي الحقيقة لم تقتصر المحطات الفضائية على ذلك الأمر المهين نسبياً مقارنة بما تبثه بعض المحطات من فقرات هابطة حتى على الحس الحيواني وأغلبها يكون موجهاً بصورة خاصة لأبناء هذا المجتمع الطيب المحافظ والأدهى والأمر أن مثل تلك القنوات وإن تم تشفيرها من قبل الرقابة لمنع وصولها إلا أن هناك من يستطيع فك الشفرة وبيع ذلك عن طريق المحلات المتخصصة وبأسعار منخفضة نسبياً والتي تخصصت في ترويجها بعض العمالة الوافدة. نعم إن لوسائل التقنية الحديثة مثل التفلزيون والفيديو والإنترنت وملحقاتها فوائد معروفة وآثاراً نفسية مدمرة لا تزال محل دراسة وتمحيص من قبل علماء أوخبراء علم النفس والاجتماع في المجتمعات المتقدمة والذين توخذ توصياتهم هناك بصورة جدية. أما في دول العالم الثالث ونحن من ضمن تلك الفئة فإن ذلك النوع من الدراسات التطبيقية لا وجود له وإن وجد فهو عبارة عن اجتهادات واهتمامات فردية لا يتعدى أثرها مكتب معدها ومن تعب عليها وذلك على الرغم من وجود عدد لا يستهان به من المتخصصين من أساتذة الجامعات وغيرهم من المتخصصين الذين يتواجدون في العيادات النفسية وذات العلاقة في المستشفيات والذين يستقبلون أعداداً متزايدة من المرضى النفسيين دون ظهور دراسة شمولية عن الأسباب ووسائل الحد منها. وعلى العموم فإن الأمراض النفسية والعنف المدني وقصور البعد الثقافي وإضاعة الوقت دون فائدة محددة وكسب سلوكيات غير محمودة كل ذلك نتاج لسلوكيات غير محسوبة آثارها تتمثل في مشاهدة ما هب ودب من خلال التلفزيون أو الفيديو أو الإنترنت أو إضاعة الوقت بألعاب الكمبيوتر. وهذا يعني أن الأسرة قد تنازلت وتناست دورها في التربية والتنشئة حيث أصبح النشء الجديد ضائعاً بين تعليمات الخدم وإضاعة الوقت أمام الشاشة الفضية وذلك تحت طائلة انشغال الوالدين أو بالأحرى تشاغلهم ذلك أن تربية الأولاد تأتي في الأهمية أولاً قبل جميع الفعاليات الإنسانية الأخرى حتى لو كان العمل. إن جيل اليوم يحمل قيماً وأفكاراً زرعتها في دماغه وسائل الإعلام ذات الأثر البليغ والفعال والتي يجب التعامل معها بحذر شديد لما فيها من مزج مركب بين الصوت والصورة وبثلاثة أبعاد مما جعلها مصدر المعلومات والقيم الأول لدى النشء الجديد دون مسؤولية أو حساب أو رقابة تحض على الحسن وتنهى عن السيئ لذلك يطالب الخبراء والمتخصصون بأن تعود الأسرة إلى ممارسة دورها التربوي لمساعدة أطفالها على الخروج من مشاهدة التلفزيون بفائدة أكبر وذلك من خلال معاونتهم على أن يكونوا أكثر انتقاءً لما يختارون مشاهدته من أمور إيجابية. كما أن دور الرقابة يجب أن يشمل تحديد الوقت المسموح به لمشاهدة التلفزيون أما ترك الحبل على الغارب فإنه يعرض المشاهد لطيف واسع من الأفكار المتناقضة والآراء المتضاربة والعنف غير المبرمج ناهيك عن أن ذلك يصل بصورة مبعثرة إلى مخيلة الطفل مما يولد لديه عدم اليقين في كل ما يسمع حتى من والديه مما يترتب عليه وجود علاقات أسرية مضطربة ناهيك عن أن ذلك يفقد النشء القيمة المعرفية خاصة مع سيطرة برامج العنف من خلال أفلام كرتون أو غيرها مما يبث عبر القنوات المختلفة ليس هذا فحسب بل إن ما يقدمه التلفزيون من أغانٍ هابطة وأفكار معلبة وجاهزة وخطيرة تمنع الطفل حتى من التفكير السليم أو المشاركة مما يحول الأطفال بصورة خاصة والنشء بصورة عامة إلى مستقبل سلبي يسمع ويقلد ما يعرض أمامه دون أدنى جهد يبذل للفرز أو الانتقاء مما يحول ذلك المشاهد إلى مسخ لتلك البرامج وفكر من يقفون خلفها ممن يسرهم الوصول إلى تلك النتيجة المحزنة لشباب هذه الأمة عدة مستقبلها والتي نتباكى على عدم الإتقان أو الالتزام أو التفوق أو النجاح من قبله دون البحث عن الأسباب الكامنة وراء ذلك. نعم إن أغلب الآباء لا يمضون مع أبنائهم أكثر من نصف أو ربع ساعة يومياً بعيداً عن وسائل الترفيه والاتصال الحديثة وأهمها التلفزيون مما يؤدي إلى زيادة الاضطرابات العاطفية والسلوكية للأطفال والمراهقين وذلك على امتداد الساحة العربية برمتها وتكون نتيجة ذلك الاكتئاب والقلق والاضطراب السلوكي والخوف والرهاب الاجتماعي مما يستطيع الواحد مشاهدة ضحياه عن طريق زيارة أحد العيادات النفسية المتخصصة والتي سبق الإشارة إليها. نعم إن التلفزيون والفيديو والإنترنت وحتى السينما والمسرح لها إيجابيات كبيرة إذا أحسن استخدامها وعوملت على أساس أنها وسائل مساندة في الوصول إلى الأفضل. أما إذا ترك الأطفال والمراهقون يشاهدون كل ما يبث من غث وسمين فإن هذه مصيبة ذلك أن التحكم بما تبثه تلك الوسائل صعب جداً مما ينتج عنه مسخ ثقافي غير مشرف خصوصاً أن البث يأتي من الفضاء ومن جهات غير محدودة العدد. لذلك فإن الرقابة سوف تكون من خلال عنصرين أساسين أحدهما يتمثل في رفع كفاءة الإدارات المعدة لبرامج الأطفال في محطات التلفزيون الوطنية من حيث رفع وعي العاملين بها وتوفير الكُتَّاب والمخرجين الأكفاء والاستوديوهات المجهزة وإيجاد برامج التدريب الكافية واللازمة وذلك لرفع مستوى الأداء بين العاملين في برامج الأطفال ناهيك عن رفع مستوى وعيهم الوطني وإلمامهم بالآثار المترتبة على ما يتم بثه من برامج ليس هذا فحسب بل الاجتهاد في إنتاج برامج وأفلام متنوعة وجذابة تجعل من محطاتنا الوطنية مراكز جذب للأطفال والمراهقين مما يغنيهم عن متابعة غيرها من القنوات التي تبث كل ما هب ودب دون انتقاء أو تمحيص. والله المستعان.