لم يُزحزح أحد سمكة التسول لتحل محلها السمكة المتعوب عليها في الحكاية الشهيرة التي نُرددها نحن معشر الكُتّاب حين نتحدث عن الفقر والتسوّل كما زحزحها مشروع "باب رزق جميل" لرجل الأعمال المتميز محمّد عبداللطيف جميل، وكنت أتحدّث مع أحد المُهتمين بالعمل الاجتماعي حول مفهوم العمل المهني وكيف أنه يتحرّك أحياناً في مجتمعنا لصالح البطالة أي أن البعض يُلح على طلب المُساعدة بحجّة الفقر رغم قدرته على العمل وتوفر الفرص لماذا؟؟ بسبب وضاعة المهن المعروضة(حسب وجهة نظره) التي يرفضها جملةً وتفصيلاً بدواعي أنها مُفصّلة أصلاً على مقاس "الأجانب" لا أبناء البلد..! المُحزن كما يقول صاحبي أن مثل هؤلاء يصنعون أجيالاً من الشحاذين إذ ما أن يكبر رضيعهم إلاّ وتجده قد اصطفّ في طابور الشحاذة لأنه وجد الأسرة كلها تتوارث احتراف أسهل مهنة رغم إهدارها للكرامة وإراقتها ماء الوجه وهكذا يفعل الأحفاد، صحيح أن مجتمعنا مجتمع خيّر وأهله عاطفيون لا يحجمون عن تقديم الأموال لكل سائل تعينه على سد حاجته مؤُقتاً ولكنها لن تسدّ إلى الأبد ومن هنا تتناسل المشكلة بتناسل الشحاذين. وبرنامج (باب رزق جميل) التقط هذا البُعد وفتح أبواب العمل لتنغلق تبعاً لذلك نوافذ إهدار الكرامة، تعالوا معي واحسبوا كم أسرة سعودية استفادت من (25) ألف فرصة عمل للشابات والشباب وفرها البرنامج خلال عام واحد فقط(2008م)، أجمل ما في الحكاية أن هذه الفرص لم تتركّز في منطقة بعينها من مناطق بلادنا بل شملت كل جغرافيا الوطن مما يدل على صدق المقاصد وشفافية النوايا. حكاية الفقر والفقراء في بلادنا فيما أراها قضية ضبابية ليس لها شكل مُحدد يمكن التعامل معه بطرق محددة وفعالة وقد زادها غموضاً تداخل دوائر الإفراط والتفريط فما بين إفراط في تهويل حجم الظاهرة وتشاؤم في إمكانية وضع الحلول لها وتفريط في إنكار الفقر مما دفع بالقضيّة إلى درجة متدنية من درجات الاهتمام .. لهذا أقول للتجّار ورجال الأعمال وأرباب الصناعات، يا من فتح لهم الوطن الأبواب مُشرعة للدخول إلى مرابع المال والأعمال هلاّ فتحتم أبواب الرزق لشباب بلادي من الجنسين كما فتحهُ صاحب باب الرزق "الجميل"؟؟