20 جولة تبخير وتطييب للمسجد الحرام يوميًا خلال رمضان    زيلينسكي يقر بأن جيش أوكرانيا يعاني «وضعا صعبا جدا» في كورسك    نيفيز يغيب عن تدريبات الهلال بسبب أسنانه    رونالدو: كانوا يقولون عني إنني مجنون عندما انتقلت للدوري السعودي    برنامج "نظرة إعلامية" يستضيف إعلاميين مؤثرين في مهرجان ليالي كفو بالأحساء    ارتفاع أسعار الذهب    تشكيل النصر المتوقع أمام الخلود اليوم في دوري روشن    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد الفوز على الرياض    محاريب المسجد النبوي لمسات معمارية إسلامية ميزتها النقوش والزخارف البديعة    السفير المناور يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه سفيرًا لدى المكسيك    منتدى منافع الثالث يعزز الاستدامة والاستثمار في خدمة ضيوف الرحمن    الكشافة يقدمون خدماتهم لزوار المسجد النبوي    جمعية حفظ النعمة تحفظ فائض وجبات الإفطار في المسجد النبوي الشريف    الفتح يتغلب على الرائد بثلاثية    ولي العهد‬⁩ والرئيس الروسي يستعرضان هاتفيا جهود حل الأزمة الأوكرانية    موسم الرياض يرعى نزال كامبوسوس جونيور ضد يوردان.. ونيكولسون تدافع عن لقبها العالمي في أستراليا    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    أمير منطقة المدينة المنورة يطلق حملة "جسر الأمل"    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    تحقيق أممي: الاحتلال يرتكب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين    المملكة ترحب باتفاق ترسيم الحدود بين جمهوريتي طاجيكستان وقرغيزستان    اكثر من 100 معاملة يتم إنجازها يومياً بالمنطقة عبر مبادرة الفرع الافتراضي    أمانة القصيم تُعلن جاهزيتها لانطلاق مبادرة "بسطة خير السعودية"    جمعية العناية بالمساجد " إعمار " تنفذ برنامج " سقيا المصلين "    قطاع ومستشفى بلّحمر يُنفّذ حملة "صُم بصحة"    قطاع وادي بن هشبل الصحي يُفعّل حملة "صُم بصحة"    جامعة الملك عبدالعزيز تحتفل بيوم العلم السعودي بسباق "راية العز"    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    محافظ الطائف يناقش تقرير لجنة الأسواق الشعبية    "بسطة خير السعودية" تنطلق لدعم 80 بائعًا متجولًا بالشرقية    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين وأمام سمو ولي العهد.. السفراء المعينون حديثًا لدى عدد من الدول الشقيقة والصديقة يؤدون القسم    لا منتصر بحرب الرسوم    عَلَم التوحيد    العلا.. تضاريس ساحرة ونخل باسق    في معنى التأمل    رؤية 2030 عززت دور القطاع غير الربحي    النفوذ الصيني في أعالي البحار يهدد الأمن القومي الأميركي    مبيعات كمبيوترات «الذكاء الاصطناعي» تقفز 51 مليار دولار    مجندات الوطن    مكة في عهد يزيد بن عبدالملك بن مروان.. استقرار إداري رغم التحديات السياسية    طيبة الطيبة.. مأرز الإيمان    قوة دعم الحرم للدفاع المدني تواصل جهودها في الحرمين الشريفين    تصدع الأرض ..صمام الأمان    المشي في رمضان.. رياضة وصحة    نصائح لمرضى الكلى في رمضان.. يجب الالتزام بأساليب التغذية السليمة    بريد القراء    تزامنًا مع يوم العلم السعودي.. "بِر جازان" تطلق مبادرة "حراس الأمن في عيوننا"    تسلا تحذر من أنها قد تصبح هدفا لرسوم جمركية مضادة    خناقة بمسجد!    افضل تجربة تصوير هاتف في فئته بالعالم: سلسلة CAMON 40 من TECNO    مباحثات جدة الإيجابية "اختراق كبير" في الأزمة الروسية الأوكرانية    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    تعهد بملاحقة مرتكبي انتهاكات بحق وافدين.. العراق يعيد مواطنيه من «الهول» ويرمم «علاقات الجوار»    مشروع الأمير محمد بن سلمان يحافظ على هوية مسجد الجامع في ضباء    ارتفاع الفائض التجاري للمملكة خليجياً    سعوديات يدرن مركز الترميم بمكتبة المؤسس    دلالات عظيمة ليوم العلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام والشرق
نشر في الرياض يوم 30 - 11 - 2008

الأربعاء الماضي اضطر رئيس الوزراء الماليزي عبدالله بدوي لتوضيح موقف حكومته من فتوى أصدرتها الهيئة الوطنية للفتوى بماليزيا تحرم رياضة اليوجا على المسلمين، لكونها تتضمن طقوساً وثنية منبعها الديانة الهندوسية، وأوضح بدوي بأنه لايظن أنه من السهل استدراج المسلمين لعبادة الأوثان، مؤكداً أن اليوجا إذا مارسها المسلم خالية من أي صلوات أوترانيم فهي رياضة مباحة.
بدوي حافظ للقرآن وأبوه من العلماء الذين تلقوا العلم الديني في الحجاز، وجاء توضيحه مؤيداً لموقف معظم الماليزيين والسلاطين الذين ساءتهم هذه الفتوى مطالبين بأن يتم الرجوع إليهم عند إصدار فتوى من هذا النوع في بلد يشكل فيه الهندوس 8%، وتنفرد ماليزيا بنظام حكم هو الوحيد في العالم حيث يقوم تسعة من سلاطين الولايات المسلمين بتناوب الحكم كل خمس سنوات في بلد يشكل المسلمون الغالبية من سكانه.
ومن الطريف أن بنت رئيس الوزراء الماليزي السابق محاضير محمد انتقدت الفتوى معلنة بأنها لاتعتقد أن اليوجا ولا سراويل النساء أكثر خطورة من فساد المسؤولين الحكوميين في ماليزيا، في إشارة ساخرة إلى فتوى صدرت بحرمة لبس النساء للسراويل لكونها من التشبه بالرجال.بينما أشار نجل ابن أحد السلاطين بأنه على علماء المسلمين أن يكونوا تقدميين وألا ينشغلوا بهذه القضايا التي تعتبر من خصوصيات الأفراد.وكان عبدالشكور حسين رئيس هيئة الفتوى قد دعم موقفه بأن الأزهر قد أصدر عام 2004فتوى تحرم اليوجا.
هذه الآراء تعكس المزاج الماليزي في تعامله مع الدين، كيف يفهم الإسلام؟ وكيف يمارسه؟، وكيف تشكَّل الإسلام الماليزي المالاوي عبر مئات السنين حيث اختلطت ثقافات الشرق وامتزجت لتعطي نموذج الإسلام الماليزي؟ واليوم تعيش ماليزيا صعوداً للتيار المحافظ الذي ألقى بظلاله على السياسات المحلية لبعض الولايات منذ بداية الألفية الجديدة. وقد ذكرت وكالات الأنباء أن الفتوى هوجمت من قبل مدونات يكتبها شباب ماليزيون على الشبكة العنكبوتية.
و تزدهر مراكز جلسات اليوجا في معظم أرجاء العالم وربما تكون هوليود هي إحدى وسائل رواج هذه الرياضة التي أصبحت موضة يتهافت عليها المشاهير ونجوم السينما، واليوم تلقى جلسات اليوجا قبولاً من بعض الفتيات والشباب السعوديين الميسورين رغم الأجور العالية نسبياً التي يحصل عليها المعلمون لقاء ساعة واحدة، وهذا الاستيعاب لممارسات سلخت من جذورها الأصلية وجرى دمجها في الأنشطة اليومية لأفراد يصلّون ويقرؤون القرآن ويسترشدون بالسنة النبوية هو أمر يستحق الاهتمام والدراسة، فالجدل الذي أحدثته رياضة اليوجا شبيه بكثير من الممارسات الوافدة التي تتسرب إلى الثقافات وتندمج بالعادات والتقاليد التي يزاولها الأفراد من دون إدراك مصدرها أو كيف تسللت وانعجنت بثقافة الجماعات والطوائف وممارسات الشعوب؟.
من الرائع أن نشهد اللحظات الأولى لتسرب بعض الطقوس و نقتنص تلك اللحظة التي تشهد فيها مثل تلك الممارسات.
كان السجود تحية للملوك والعظماء سنة متبعة فيمن كان قبلنا، وتسرب إلى العرب المتاخمين للمالك الفارسية، وقد ذكر القرآن أن أخوة يوسف حينما دخلوا عليه خروا له سجداً، وتعامل الإسلام مع سجود التحية للبشر على أنه من الأمور المحرمة واعتبره حقاً خالصاً لله، ولكن مع توسع الفتوح الإسلامية ودخول الأمم الشرقية عادت هذه العادة مرة أخرى ولكن بإهاب آخر، ومع أنها اعتبرت من "سنن العجم" إلا أنها كانت من تقاليد البلاط في عصور الخلفاء العباسيين والمماليك وغيرهم، وبما أن الإسلام كان موقفه واضحاً وصريحاً فقد جرى التحايل على ذلك بتقبيل الأرض عند السجود، ولهذا فتجد المؤرخين يقولون (ودخل عليه في مجلسه وقبل الأرض بين يديه)، ولكن العرب كانت تعرف الانحناء عند التحية ولهذا سأل أنس بن مالك الرسول هل ينحني لأخيه المسلم إذا لقيه؟ فقال الرسول: لا.
ولكن أي حديث عن العادات الوافدة والدخيلة قد يسهل الحديث عنه في مجتمعات الجزيرة العربية، خلافاً لأمم الشرق المسلمة التي اندمجت مع عشرات الثقافات المحلية والطقوس الغريبة، وفي أوائل القرن العشرين كتب صحفي مصري قام بزيارة إلى الصين بأن الإمبراطور أو الحاكم المحلي إذا أنعم على أحد وجهاء المسلمين بمنصب رفيع، فإن الأخير يقوم بزيارة المعابد ويقدم التحية لآلهتهم -حسب تعبيره-، ولكن الشرق كان دائماً موطناً للمحاولات الجريئة لدمج الإسلام بالثقافات المحلية الشرقية التي وفد إليها وهيمن عليها لقرون عديدة، وتمثل تجربة سلطان أكبر أعظم ملوك المسلمين المغول في الهند نموذجاً فريداً لم يتكرر في محاولته لإقامة تعايش بين الإسلام والهندوسية رغم استياء الفقهاء وعلماء الدين، لقد كان أمياً لايقرأ ولا يكتب متصوفاً ومؤمناً عميق الإيمان ولكنه حاول أيضاً تشجيع تأليف كتاب يمزج بين الإسلام والديانات الأخرى التي تكتظ بها الهند، وتزوج هندوسية أنجب منها وعاش معها قصة حب ملهمة لايضاهيها إلا قصة حفيده شاه جهان وزوجته ممتاز محل التي شيد على قبرها إحدى أعظم التحف المعمارية وهو تاج محل، ولدت الطائفة السيخية في حياة السلطان أكبر، وشهد اللحظة الأولى لانشقاقها من الهندوسية، كانت تعاليم السيخ الأولى تلفيقاً بين الإسلام والهندوسية، وتضمن كتابهم المقدس (الخالصا) في صياغته الأولى ترانيم وصلوات وآيات من القرآن، وبعض من مقاطع الخالصا هي من أروع ما كُتب في الأدب الإنساني دعوة إلى الحب بين البشر وتجاوزاً للأحقاد وتغنياً بالسلام والصفاء بين البشر، وهي على قلتها نصوص تشهد على التطور الذي مر به السيخ عبر تاريخ طويل من المآسي، فإن مائة سنة من القمع والنبذ والاضطهاد من خلفاء السلطان أكبر ومن الهندوس أنفسهم كانت كفيلة بتحويل أبناء الطائفة السيخية إلى أمة من المقاتلين الأشداء الموتورين الحانقين، ولهذا كانوا من أوائل المناصرين للاحتلال البريطاني للهند ولهذا انخرط عشرات الآلاف من السيخ في الجيوش البريطانية التي احتلت الشرق والغرب منذ منتصف القرن التاسع عشر.
إن الطائفة السيخية تمثل إغراءً للباحثين لدراسة التحول الجذري الذي طرأ عليها في فترة قصيرة نسبياً في عمر الطوائف الكبرى والديانات من السلم إلى العنف، منذ نشأتها على يد المعلم الأول منتصف القرن الخامس عشر. وليس مفاجئاً لنا أن الهند شهدت منذ أربعة قرون أكثر المحاولات للإصلاح والتجديد في الديانات الرئيسة، وقوبلت تلك المحاولات بردود أفعال متنوعة من القبول والرفض والنبذ والانتصارات الجزئية والإخفاقات الكبرى.
لطالما شعرنا بأن الشرق الإسلامي بعيد عنا، فلم يحظ باهتمام معظم دارسينا ولكننا نغفل كثيراً عن أنه كان حاضراً منذ قرنين في صراعاتنا الفكرية والدينية، لقد كان أحد الشيوخ عالم حديث هندياً استوطن المدينة، وحظيت أفكاره بمؤازرة علماء الهند ودفاعهم عنه وترويجهم لتعاليمه، وبقي ألق الهند دفاقاً لاينقطع حتى محمد إقبال وأبوالأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي..
ومنذ أكثر من مائة وعشرين عاماً قام طالب علم من صحراء نجد بشد الرحال إلى ملك صديق حسن خان وهو زوج ملكة ولاية في الهند، كانت الملكة متفرغة لشؤون الحكم وكان زوجها متفرغاً للعلم وتدريسه وللتأليف، وكانت تنعم عليه أحياناً بالجلوس معها لقضاء شؤون الرعية، ولم يقصر هذا الملك العالم في إسباغ الثناء على ملكته في كتاب خصص جزءا كبيرا منه في كتابه التاج المكلل، ولأنه سلفي ومحدّث فقد لازمه الفتى النجدي الذي أصبح لاحقاً من كبار علماء نجد في النصف الأول من القرن الهجري الماضي وهو سعد بن عتيق، إنها مفارقة لايمكن أن تحدث إلا في الهند بلد الأعاجيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.