احتفلت فرنسا أول أمس الجمعة بمرور مائة سنة على ميلاد كلود ليفي ستروس عالم الانثروبولوجيا الفرنسي الشهير. وبهذه المناسبة نظم متحف الفن البدائي الباريسي سلسسة من الفعاليات الثقافية طوال نهار الجمعة من بينها قراءات لنصوص ستروس قدمتها مائة شخصية تنتمي إلى الأوساط السياسية والفكرية والأدبية والفنية. ومن بينها كريستين ألبنيل وزيرة الثقافة والاتصال وفاليري بيكريس وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي والمفكر برنار هنري ليفي. وتمكن زوار المتحف في هذا الإطار من الإطلاع على مايزيد عن ألف وخمس مائة تحفة من التحف التي جلبها كلود ليفي ستروس من القارات الخمس ولاسيما من القارة الأمريكية طوال مشواره الطويل مع البحث الميداني الأنثروبولوجي. وعرض المتحف أيضا عدة أشرطة وثائقية عن مسار ستروس الذي يعد أحد عمالقة العلوم الإنسانية في القرن العشرين. بل إنه يعد من كبار العلماء الذين طوعوا نظرية البنيوية لتطوير علم الأنثروبولوجيا.. وشاركت المكتبة الوطنية الفرنسية أيضا في هذه الاحتفالية من خلال عرض مخطوطات الكتب الكثيرة التي وضعها كلود ليفي ستروس. ومن أهمها كتاب "المدارات الحزينة". وقد نشر هذا الكتاب عام خمسة وخمسين من القرن الماضي. وتطرق فيه ستروس إلى حياة عدد من قبائل الهنود الحمر التي كانت تسكن في البرازيل. ولقي هذا الكتاب نجاحا كبيرا لأن ستروس سعى من خلاله إلى سبر أغوار النواميس والطقوس التي كانت تتحكم في حياة هذه القبائل. وكاد هذا الكتاب أن يحصل في عام خمسة وخمسين على جائزة جونكور الأدبية أهم جوائز فرنسا الأدبية بسبب أسلوبه الأدبي الراقي برغم أنه يندرج في إطار أدب المحاولات لا في إطار الأعمال الروائية. ومن كتب كلود ليفي ستروس الأخرى التي تعرض المكتبة الوطنية مخطوطها الأصلي بمناسبة الاحتفال بمرور مائة عام على ميلاد عالم الأنثروبولوجيا الشهير كتاب "الفكر المتوحش" الذي يقول فيه صاحبه إن هذا الفكر لم يسبق الحضارة بل إن كل واحد منا مطبوع في جزء هام من تركيبته ونفسيته وطباعه وسلوكه بالفكر المتوحش حتى في المجتمعات التي تعتبر نفسها متقدمة. وفي هذا الكتاب يسعى كلود ليفي ستروس إلى تلمس عملية تأرجح الإنسان بين الفكر المتوحش والفكر الحداثي. ويقول إن معاينة عملية التأرجح هذه تؤكد أن كل إنسان يمكن أن يكون حداثيا بسبب الظروف الحياتية الصعبة التي يمر بها لأن هذه الظروف تجعله يبحث باستمرار عن معادلة يوفق عبرها في الكرع من التقاليد والنواميس من جهة والتمرد عليها من جهة أخرى. المعتكف والواقع أن كلود ليفي ستروس الذي ولد قبل قرن في بلجيكا قضى الشطر الأول من القرن العشرين في البرازيل بعد تخرجه من الجامعة ودراسة الفلسفة. وفي هذا البلد تمرس ستروس بفنون البحث الميداني الأنثروبولوجي الذي ساعده على حذق تقنيات وأدوات كثيرة منها الرسم والتصوير الشمسي واستخدام معادلات رياضية. وبعد عودته إلى فرنسا إثر الحرب العالمية الثانية درس في "الكوليج دي فرانس" وتفرغ للبحث الميداني الذي قاده إلى السفر إلى قارات أخرى منها أستراليا. وقد اعتكف ستروس قبل عشر سنوات وأصبح مقلا في التعليق على الأحداث رغم أنه يتابعها عن كثب. وقال في الأحاديث الصحفية القليلة التى أدلى بها قبل عشر سنوات إنه متشائم بالنسبة إلى مستقبل الإنسان لأن هذا الأخير بدأ فعلا من خلال تصرفاته الرعناء مع الطبيعة يخطط لعملية تدمير نفسه بنفسه.