سألتني صديقة عزيزة عن مدى سعادة المعالجات النفسيات بعملهن، ومدى المتعة في سماعهن لقصص ومشاكل الآخرين، فعجبت لسؤالها وقلت لها الجواب ماتقرأينه في مقالة هذا الاسبوع، لأتحدث عن مدى المتعة التي نحس بها في عملنا!! @@@@ لقد كتبت في مقالة سابقة ان في هذه الحياة قصصاً غريبة؛ قد يعجب لها عقل الانسان ويستنكر احداثها؛ قصصاً هي من الغرابة بحيث يعجز ابرع المؤلفين او حتى كتاب القصة عن تصوير احداثها او تخيل فصولها!!. ولكن قصص الحياة في الغالب لاتظهر للعلن، ولاتشهر عن نفسها بين الخليقة، بل ربما بقيت قصصها قيد النسيان او دفنت تحت غبار الزمان، حتى يأتي من يبحث وينقب فتظهر الحقائق بعد ان ظن اهلها بانهم افلحوا في دفنها واخفائها، اوربما زل لسان احدهم فتحدث بسره الدفين الذي كان قد عاهد نفسه على ان يدفنه معه متى ما دفن!! وكم في سجلات المحاكم ومحاضر الشرط ومجالس القضاء والاستفتاء وعيادات النفس والسلوك من هذه القصص التي تشهد بحق بأننا نحسن الظن كثيرا بجنسنا البشري!! @@@@ عندما اذهب الى عيادتي وألبس معطفي الابيض واستقبل مرضاي، اضطر ان افتح لهم اذني وقلبي وان استحضر كل خبراتي، لأعطي كل واحدة منهن حقها في الكلام والتعبير، وقد يستغرق ذلك ساعة او نصفها، وتخرج مريضة لتدخل بدلا منها مريضة اخرى تتحدث عن مشكلة تختلف عن مشكلة المريضة الاخرى، فهذه في واد والاخرى في واد آخر، هذه مريضة محتاجة وتلك مترفة تبحث عن امر ساذج لتجعل منه مشكلة مؤرقة، وتخرج هذه لتدخل اخرى تنقلك معها الى هم جديد وشكوى مؤرقة!! @@@@ اصاب احيانا بدوار وانا اسمع قصة اشبه بالخيال الجامح من مريضة استلقت على سريرها في عيادتي، لتسرد لي أسراراً لا تستطيع أن تبوح بها لغيري!! وعندما اقارن بين مظهرها الهادئ وبين ماتحمله بين جوانحها من ذكريات وقصص حزينة أرى بُعد المشرقين وبعد المغربين، فبئس القرين!!، @@@@ حكايات وقصص وذكريات احيانا تكون فيها المرأة ظالمة، واحيانا اكثر تكون فيها مظلومة ومعتدى عليها من ذوي القربى وظلم ذوي القربى اشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند!!، أسمع منهن فاتألم من قسوة آبائهن وجبروت أزواجهن،، واسمع من أخريات فأعجب من ظلمهن واستغلالهن وربما خيانتهن لاماناتهن ومابين ايديهن!! @@@@ هذه أم تشكو ماتلاقيه من طفلها وافعاله المشينة وتصرفاته القبيحة ،، وهذا طفل يشتكي من اهمال امه وقسوة خادمته وفجور سائقه، وتلك حاسدة لاختها تريد ان تسلب منها سعادتها، واخرى محسودة ومحاربة لانها تملك مالايملكه الآخرون، وتلك مذنبة ارقها ذنبها، واخرى كاذبة دمرت بسب كذبها علاقات اسرية، وكلهن يردن حلا سحريا يخلصهن من الالم ،ويريحهن من القلق، ويساعدهن على النوم هادئات البال، دون احلام او كوابيس، ومهمتي ان استمع لكل هؤلاء احببت ذلك ام كرهته، مهما كان مزاجي او انزعاجي، ثم بعد ذلك اساعدهن بما املكه من علم تعلمته اوخبرة اكتسبتها، ولا تسأل عن مدى قبولهن لما يسمعن، هذا ان استطعن ان يسمعن، فغالبهن يأتين لكي يتحدثن، ويتحدثن حتى يخرجن!! @@@@ تنتهي عيادتي رسميا، ولكن عقلي يرفض ان ينتهي من التفكير فيما سمع، احاول ان اطرد تلك الذكريات واحاول ان اوقف ذلك السيل من الافكار، ولكن عبثا افعل، حتى وانا اضع راسي على وسادة النوم يظل عقلي يعج بقصص سمعتها واعترافات حفظتها، ثم بعد ذلك افكر في مدى المتعة التي تتحدث عنها صاحبتي، وفي مدى السعادة التي تغمر المعالجين النفسيين من جراء السماع لقصص ومشاكل الغير، فلا اجد الا ان اقول الحمد لله على كل حال .. وللحديث بقية!!