التأليف الجاد عمل شاق ومرهق يستنزف الوقت والأعصاب والعيون , خصوصا ً إذا كان هذا التأليف في مجال العلوم التطبيقية كالهندسة مثلا ً . إن تأليف كتاب في أحد مجالات الهندسة يأخذ سنوات من الجهد والتعب والتفكير الشيء الكثير خصوصا ً مع قلة المراجع وارتفاع أثمانها . فتأليف الكتاب والانتهاء من ذلك ليس نهاية المعاناة ولا بداية الراحة ونشوة الانجاز , فحين يتم الانتهاء من التأليف بعد طول عناء تبدأ معاناة من نوع آخر وهي البحث عن ناشر لهذا الكتاب , وكثيرا ً ما تكون الأبواب موصدة أمام الكتاب العلمي (ما لم يكن مقرراً دراسياً) بحجج كثيرة , وإن فتح أحدها فسوف تكون الشروط ثقيلة ينوء بها كاهل المؤلف الواهنة أصلا ً حتى يبدو معها المر حلواً, وإن انتهت هذه المعاناة بأي وسيلة حتى لو دفع المؤلف تكاليف النشر من ُحرّ ماله . بعد ذلك تبدأ مشكلة أخرى وهي التوزيع , فأحدهم قال لا نوزع الكتاب المتخصص وليس لنا رغبة فيه , هل لديك كتاب عن الطبخ أو كتاب في القضايا العاطفية والشبابية , إن كان لديك كتاب في هذه المجالات فعلى الرحب والسعة , وإن ُوجد الموزع فسوف تفاجأ بأن نطاق توزيعه لا يتعدى الحدود , وقد يحاول الوصول (كما قال) إلى بعض دول الخليج ليس إلا . ويبقى بعد هذا كله البيع , فالأعداد التي تباع ضئيلة جدا ً للكتاب العلمي لعدم وجود حملات إعلانية وندوات ترويج , ولا يحظى المؤلف بحفلات توقيع لكتابه ولا ينعم بوميض أنوار آلات التصوير , فهل يمكن بعد كل ما تقدم أن نرى حركة تأليف علمي نشطة ؟ !!!