استعد مرشح الرئاسة الأوكراني للقاء سري حدد له قبل ساعة من منتصف ليلة الخامس من سبتمبر الماضي حيث وصل بسيارة فارهة إلى بيت ريفي روسي أنيق في ضواحي العاصمة الاوكرانية كييف وكان برفقته مدير حملته الانتخابية ولكنه ترك حراسه الشخصيين خلفه. وكان في انتظار مرشح المعارضة للرئاسة فيكتور يوشينكو اثنان من قادة جهاز المخابرات الأوكراني الذي ورث جهاز المخابرات السوفيتية المحلول «كي. جي. بي» وكان أحد مستقبلي الضيف رئيس المخابرات الأوكرانية الجنرال ايغور سميشكو. ومن المفارقات ان يوشينكو الذي كان في صدارة السباق الانتخابي سعى الى ذلك الاجتماع لمناقشة ضمن أشياء أخرى تهديدات بالموت ضده. وتناول الرجال الأربعة ما لذ وطاب من طعام وشراب احتوى على سمك مقلي وسلطة طماطم وحساء الشوفان وكؤوس مترعة من المسكرات. وبعد انتهاء المأدبة الشهية في الساعة الثانية صباحا انصرف يوشينكو الى منزله وفيه الى سريره وبدأ رحلته في الاحتضار حسبما يقول اتباعه. وبعد ثلاثة اشهر من تلك المناسبة اكتسبت تلك الوليمة سمعة اغاثا كريستي الغامضة الممزوجة بروايات تجسس حقبة الحرب الباردة ، ويقول اطباء يوشينكو انه تعرض لتسميم ولكن كيف؟ ومن أي جهة؟. وتظهر مقابلات مع محققيين شملت اعضاء من حملة يوشينكو الانتخابية وخبراء سميات وصهر الرئيس الاوكراني بالاضافة الى ثلاثة من الرجال الاربعة الذين حضروا الوليمة حالة من الارتباك والاحباط في تحقيق جنائي زاخر بالتعقيدات. وشعر يوشينكو بعد يوم من ذلك العشاء المتأخر والذي وصفته صحف روسية بالعشاء الاخير بانه متوعك وعلى غير مايرام بدرجة خطيرة وفي ذلك الوقت كان قد جاهد ليحافظ على توازنه البدني ووقف امام البرلمان الاوكراني في الحادي والعشرين من سبتمبر متهما حكومة الرئيس المنتهية ولايته ليونيد كوشما بالتآمر لقتله وتساءل من الذين سيأتي دورهم امام هذه المؤامرات وأجاب نفسه بأن الجميع سيأتي دورهم. وبدأ يوشينكو منذ تلك الوليمة رحلته مع الالم والوهن والذي وصفه اطباؤه في فيينا بانه نتيجة لجرعة كبيرة من مركبات عضوية سامه للغاية تعرف بالديوكسين. وكانت تلك المعلومة الوحيدة التي تم ا لتوصل اليها في قضية يوشينكو الغامضة الا ان النظرية الاكثر انتشارا تقول بان الرجل قد تم تسميمه في ذلك البيت الريفي الانيق مما حمل مؤيديه الى اثارة تساؤلات كبيرة حول الامر في الوقت الذي يسعى فيه المحققون الى سبر غورالقضية والذين يقولون بان المعوق الرئيسي لها هو يوشينكو نفسه غير المتعاون تماما مع السلطات. وتتجه اوكرانيا الان لاعادة انتخابات الرئاسة في السادس والعشرين من ديسمبر الحالي حيث من المرجح ان تحدد نتائجها اتجاه تلك الدولة التي يقطنها 48 مليون نسمة في الوقت الذي تواصل فيه مسيرتها بعد انعتاقها من الدولة السوفيتية المنهارة. ومع تلك المؤامرة التي تحمل صفات اغاثا كريستي فان معظم اعضاء الزعامة الاوكرانية اصبحوا يجدون انفسهم في دائرة الاشتباه بما فيهم الجنرال اسميشكو مدير جهاز المخابرات الاوكرانية والذي التقى مع مراسل صحفي غربي فيما وصفه باول مرة طيلة حياته المهنية التي استمرت اثنين وثلاثين عاما. وقال اسميشكو الاب لطفلين في لقائه مع الصحفي الغربي ان جهاز مخابرات بلاده لم يلحق أي اذى بيوشينكو ولم يحاول ذلك مطلقا وعندما سئل عن شعوره بعد ان ورد اسمه كمشتبه فيه في تلك القضية اجاب بسؤاله الصحفي عما يشعر به هو نفسه اذا سأله اطفاله هل فعلا فعلت ذلك ياابي؟. واضاف الجنرال اسميشكو بقوله انهم يفعلون كل مايستطيعونه لمعرفة الحقيقة لان هذه القضية تمس سمعة جهازهم الاستخباراتي. وتقول التوقعات بان يوشينكو تعرض للتسميم من قبل اعدائه في حكومة كوشما او من مقربين اليه او من اجهزة المخابرات الروسية او من افراد جريمة منظمة يعملون لاحد الجهات المذكورة. ويبدو انه من غير المرجح معرفة السبب الحقيقي لما اصاب يوشينكو حيث يتطلب الامر اجراء تحقيقات مكثفة للغاية تشتمل على الاجتماعات التي حضرها يوشينكو والولائم التي دعي اليها وكافة تحركاته وحيث انه مشغول الان بحملته الانتخابية فان من غير المحتمل ان يساعد على نحو فاعل في هذه التحقيقات. كما ان الاجهزة الامنية في اوكرانيا تشعر بخيبة امل واحباط من عزل المدعي العام الذي لم يكن يوشينكو يثق فيه من منصبه مؤخرا وانه يتعين اعادة فتح التحقيقات تحت قيادة مدّعٍ عام جديد يحظي بتأييد جهاز المخابرات الاوكراني. وافادت زوجة يوشينكو وهي مواطنة امريكية بانها ذاقت طعم دواء من شفاه زوجها عندما عاد من تلك الوليمة المريبة والتي لاتزال التكهنات تتركز عليها والتي يرفضها اسميشكو بشدة قائلا بانه مستعد ان يلتقي مع يوشينكو وجها لوجه وعلى الملأ ويطلب منه ان ينظر اليه في عينيه ويقول انه تسمم في بيته الريفي. ٭ خدمة نيويورك تايمز خاص ب«الرياض»