عندما نقلب أوراق الماضي القريب ونرجع بالذاكرة تبرز تلك الحادثة المروعة التي لا يزال أهل بريدة يؤرخون بها حتى الآن فهي بمثابة الذكرى المؤلمة لمعظم كبار السن حيث امتحن الله بها البلاد والعباد وهي (سنة الغرقة) أوسنة الهدام كما يسميها البعض والتي استمر فيها نزول المطر قرابة الأربعين يوما ولم تشاهد الشمس الا أوقاتاً متفرقة وحدثت أضرار مادية عظيمة. إن كل حدث يصيب البشرية أو جزءاً منها عبر العصور يجب ان يكون له في نفوسنا وقع وفي حياتنا آية نستدرك من خلالها القوة الربانية التي تسير الكون وتتحكم في مقدرات البشرية وتذكرهم بأن قوة الخالق فوق قوة البشر جميعها بما تملك قال تعالى (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم) الآية. لذا لعلنا نستعرض بعض ما حصل في سنة الغرقة من أحداث ونأخذ العبرة والعظة وذلك بقلم من عاصر وعايش هذه الحادثة بنفسه وروى تفاصيلها رواية مشاهدة الا وهو الشيخ المؤرخ ابراهيم بن عبيد آل عبدالمحسن فيقول: في 1376/5/12ه من برج القوس هطلت امطار عظيمة اجتاحت القصيم وهدمت البيوت ولقد استمر الديمة 120ساعة (خمسة ايام) ومما يعجب له ان الله اوقع خوفا في القلوب من سكنى البيوت حيث يتوقعون انها ستنطبق عليهم حيث كانت جل البيوت من الطين فلما تكاثرت الأمطار وأوشكت الأمة على الهلاك خرجت الى البراري خوفا من سقوط البيوت وأصبحوا مهددين بالأخطار والسماء لا تزال منطلقة الوكاء تصب المياه صباً وأظلمت الدنيا لفقدهم الضياء ولقد كان الغني من يملك بساطا يرفعه بأعواد فيجلس وعائلته تحته وفي 1376/5/19ه أقبلت السحب الكثيفة المتراكمة والصواعق تقعقع والبروق تلمع والبيوت تتساقط يسمع لها دوي كصوت المدافع وعجت الخليقة إلى الصحراء بنسائهم وأموالهم لا يلتفت أحد إلى أحد وعجت الخليقة إلى فاطرها فوالله لا تسمع الا البكاء والصراخ والضجة اختلط الحابل بالنابل وقام ضعفاء الناس الى رؤوس المنائر يكبرون وينادون وقد جعلوا النساء في خلوات المساجد وامتلأت المساجد بالناس والكثير بالصحراء افترشوا الغبراء فكانت الأرض فراشهم والسماء غطاءهم بعد التقلب على الأرائك الوثيرة وأصبحوا جياعا بعد التلذذ بأصناف المأكولات وأصبحت منازلهم أطلالا بعدما كانت قصورا شامخة وانقطعت بهم السبل وقدرت البيوت التي سقطت في بريدة بثلاثة آلاف وسقط فيها الجامع الكبير فوزع الأهالي صلاة الجمعة في ثمانية مساجد لأنه لم يبق من الجامع الا أكواخ قليلة وبعثت الحكومة بعض الخيام ومن ضمنها خيمتان عظيمتان تكن المصلين في الجامع الكبير أوقات الصلوات فضربتا في رحبة المسجد واستمر نزول المطر حتى 1376/6/21ه