يبدأ غداً الأربعاء اجتماع الحوار بين أتباع الديانات والثقافات برعاية من الأممالمتحدة وبدعوة من المملكة امتداداً للمؤتمر الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في العاصمة الاسبانية مدريد الصيف الماضي والذي كان حدثاً غير مسبوق في التاريخ الإنساني تمثل في أن تجتمع النخبة من كل أطراف الأرض من أجل أن يضعوا أسساً حضارية انطلاقاً من التحاور ووصولاً إلى التفاهم المشترك والذي بدون أدنى شك سيحرر المجتمع الإنساني من قيود الخوف من الآخر والتشكيك في الأفكار والمعتقدات التي بنيت عبر قرون من الزمن دون تبريرات واضحة قاطعة أدت إلى ما أدت إليه من التباعد والفرقة والعداء المتبادل، رغم أن الأديان السماوية لديها من القواسم المشتركة الكثير التي تهدف إلى تحقيق السعادة والعدل والأمن والسلام للبشر جميعاً، وتسعى إلى تقوية سبل التفاهم والتعايش بين الأمم والشعوب على الرغم من اختلاف أصولها والوانها ولغاتها، كما تدعو الأديان السماوية إلى نشر الفضيلة بالحكمة والرفق ونبذ التطرف والغلو والإرهاب. هذه القيم والمبادئ الإنسانية الراقية هي بالفعل موجودة ونحن كبشر نعيشها ونتعايش عليها ونكرسها بنقلها من جيل إلى جيل كنبراس ينير لنا طريق الوصول إلى أهداف سامية نسعى لبلوغها، وهذا لن يكون بالانغلاق والتقوقع حول أنفسنا بل بالانفتاح دون التسيب والحوار المصاحب للعقل المستنير الذي يعطي ويأخذ ويؤثر ويتأثر مع التمسك بالثوابت، فالدعوة لحوار الديانات والثقافات لم تأت من فراغ بل جاءت من حاجة ملحة لأن يعرف البشر بعضهم البعض طالما يعيشون في عالم واحد نتقاسم هواءه وماءه وموارده، قد تختلف الأهواء والمشارب والاتجاهات لكن يبقى العامل الإنساني مشتركاً وليس أدل على ذلك من الآية الكريمة (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) فالخالق عز وجل خلق البشرية كأمة واحدة ثم - ولحكمة إلاهية - تفرقوا إلى شعوب وقبائل من اركان الأرض ولكن ليس من أجل أن يعيشوا الفرقة بقدرما هو مطلوب منهم ليتعارفوا وأن يتحاوروا من أجل الوصول إلى نقاط التقاء كثيرة مشتركة بينهم لا ان يبحثوا نقاط الاختلاف ويركزوا عليها من أجل خدمة أهداف قصيرة المدى قد تؤدي إلى توسيع الفجوة بين أبناء البشر والاقسام في تقريب وجهات النظر بينهم مثل نظرية صدام الحضارات التي تعزز الفكر السلبي وتؤكد حتمية صراع الأمم على خلفية الاختلاف بين المعتقدات والتوجهات. ومما لا شك ان الدعوة غير المسبوقة لحوار الأديان والثقافات لن تكون سهلة التنفيذ ولكنها ايضاً ليست صعبة المنال إذا اراد البشر ممثلين في قياداتهم تسهيل الطريق وتعبيده أمام الاجيال القادمة. فنحن قد لا نرى نتائج الحوار العالمي في المستقبل القريب ولكن على الأقل وضعنا اللبنات الاولى له وفتحنا ما كان مغلقاً ودعونا إلى ما كان يخشى الآخرين من الدعوة إليه. المملكة انطلاقاً مما تمثله من ثقل ديني وسياسي واقتصادي كان لها السبق والمبادرة في دعوة العالم دون أية استثناءات إلى حوار مفتوح لا تنقصه العراقة ولا الشجاعة في طرح الافكار والرؤى للوصول إلى هدف كان حلماً في يوم من الأيام.